إسرائيل تحشد الحلفاء.. صنعاء تُعدّ مفاجآت الردع
تصاعدت التهديدات الإسرائيلية خلال الساعات الماضية ضد صنعاء، حيث دعت بعض الأوساط العسكرية والإعلامية الإسرائيلية إلى الهجوم على اليمن، في سياق التصعيد العسكري المستمر في المنطقة.
هذه التهديدات لم تخلُ من العديد من التساؤلات حول قدرة إسرائيل على خوض هذه المعركة بمفردها، في ظل قلقها من الدخول في مواجهة مباشرة مع قوات صنعاء.
إسرائيل تخشى المواجهة المباشرة
يرى المراقبون أن هذه التهديدات تأتي في وقت حساس بالنسبة لإسرائيل، لا سيما أن الكيان الإسرائيلي يعاني من تراجع قدرته على التأثير بمفرده في الساحة الإقليمية، نتيجة الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في قطاع غزة.
وأشار العديد من المحللين إلى أن إسرائيل، رغم تصريحاتها المتصاعدة، تخشى في الواقع التورط في معركة طويلة الأمد قد تكلفها الكثير من الموارد والجهود العسكرية، فضلاً عن التأثيرات السياسية التي قد تنشأ جراء مهاجمة دولة مثل اليمن، بغض النظر عن الانقسام الحاصل في الساحة اليمنية.
وحسب ما أوردته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن إسرائيل تبحث عن شركاء في هذه العملية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الدائم.
ومن المتوقع أن يكون هناك انخراط لبعض الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا على الأقل.
هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عندما كانت القاهرة في الخط المقاوم للكيان الإسرائيلي، عكس موقفها اليوم.
دور أمريكا في العملية العسكرية المحتملة
على الرغم من أن الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن ستغادر البيت الأبيض قبل نهاية يناير القادم، إلا أنها تبدو متحمسة للتورط في نزاع جديد بالمنطقة.
وقد ظهر ذلك جلياً من خلال العملية الأخيرة في البحر الأحمر ومحاولة التقدم نحو السواحل اليمنية بواسطة حاملة الطائرات “هاري إس ترومان”، والتي قوبلت بمواجهة شرسة من قوات صنعاء، حيث أعلنت الأخيرة رسمياً إسقاط طائرة أمريكية من طراز “إف/إيه-18″، وهو ما أكده الجيش الأمريكي لاحقاً.
تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى وجود تنسيق مكثف بين تل أبيب وواشنطن، يترافق مع جهود لتعبئة تحالف دولي يخدم المصالح الإسرائيلية أولاً وأخيراً.
هذا التحالف قد يشمل دولاً خليجية شاركت سابقاً في المواجهات ضد صنعاء، مما قد يجعل بنيتها التحتية هدفاً مشروعاً لهجمات قوات صنعاء.
الإصرار الأمريكي والإسرائيلي على الدخول في مواجهة عسكرية واسعة مع صنعاء ستكون كلفته باهظة على التجارة العالمية.
وسيتحمل المجتمع الدولي ثمن صمته أمام الرغبات الأمريكية الإسرائيلية.
هنا، قد تتحقق نبوءة عميد الصحافة المصرية الراحل محمد حسنين هيكل، الذي وصف اليمن بأنه “بركان لو انفجر سيجرف كل المنطقة”.
الفارق بين صنعاء وبقية العواصم
من الجوانب الهامة التي تميز صنعاء عن مدن أخرى مثل دمشق أو الضاحية الجنوبية في لبنان، هو الفارق الجغرافي والاجتماعي العميق.
فصنعاء تقع في منطقة جبلية يصعب اختراقها، ما يجعلها أكثر تحدياً للقوات المعادية التي قد تعتمد على الهجمات الجوية والضربات الصاروخية.
إضافة إلى ذلك، تختلف المجتمعات اليمنية ثقافياً وفكرياً، مما يجعل أي تدخل عسكري أمريكي-إسرائيلي في اليمن يواجه مقاومة شعبية قوية قد تكون أكثر تعقيداً مما شهدته مواجهات سابقة في سوريا أو لبنان.
كما أن اعتماد أمريكا وإسرائيل على خصوم الحوثيين، مثل قوات حكومة عدن أو قوات المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح، لن يغير المعادلة.
فقد وجهت صنعاء رسائل واضحة إلى الرياض وأبوظبي، مفادها أن تحريك تلك القوى سيجعلهما عرضة للضربات الصاروخية.
صنعاء.. حاضنة كل اليمنيين
قد تكون صنعاء اليوم، بعكس دمشق أو الضاحية الجنوبية، في موقف أكثر حرجاً في ظل الوضع العسكري الراهن، لكنها تبقى مدينة ذات خصوصية كبيرة بالنسبة لليمنيين، فهي تحتضن الجميع بمختلف أطيافهم.
تاريخياً، كانت صنعاء نقطة تجمع للمقاومة ضد التدخلات الأجنبية، وموقعها الجغرافي يجعلها أكثر صلابة في وجه القوات الغازية.
وعلى الصعيد المجتمعي، فإن المقاومة الشعبية في اليمن، لا سيما في شماله، تعد مقاومة تاريخية تمتد لآلاف السنين، مما يعزز موقفها في مواجهة أي تهديدات خارجية.
رغم التصعيد الإسرائيلي الكبير في تهديداته، تبقى القدرة على شن هجوم واسع ضد صنعاء محاطة بالكثير من التساؤلات.
إسرائيل تبدو في موقف ضعف، وتسعى لإشراك حلفائها الدوليين في أي هجوم محتمل.
لكن التحديات الجغرافية والاجتماعية والثقافية تجعل هذه المعركة أكثر تعقيداً يهدد بقائها، وقد تكون بداية لتحولات جذرية في شكل المنطقة وبنية التحالفات الدولية.