العنوان الرئيسي: دراسة أمريكية تقرّ بأن صنعاء تجاوزت حدود الجغرافيا.. قوة صاعدة تعيد رسم الإقليم بعد إسناد غزة
تحليل في “فورين أفيرز” يحذّر من تجاهل التحولات اليمنية ويؤكد أن قوات حكومة صنعاء باتت عاملًا إقليميًا لا يمكن احتواؤه

اليمن الجديد نيوز | تقرير تحليلي
المحور الأول: قراءة أمريكية لِـ«هدوء» ما بعد غزة… انطباع مضلل
نشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية دراسة تحليلية مطوّلة، أعدّتها إبريل لونغلي آلي، الزميلة الأولى في معهد واشنطن والمستشارة السياسية السابقة للمبعوث الأممي إلى اليمن، تناولت فيها ما وصفته بأخطر تهديد إقليمي يتم تجاهله في مرحلة ما بعد حرب غزة، والمتمثل في اليمن وصعود دور قوات حكومة صنعاء.
الدراسة ترى أن وقف إطلاق النار في غزة خلال أكتوبر الماضي أسّس لانطباع خاطئ بالتهدئة، سواء على مستوى البحر الأحمر أو داخل اليمن. فمع إعلان صنعاء وقف عملياتها ضد السفن المرتبطة بكيان الاحتلال، وتراجع الهجمات المباشرة على القطع البحرية الأمريكية، اعتقدت واشنطن أن الملف اليمني دخل مرحلة ركود يمكن التعامل معها عبر أدوات تقليدية، كالعقوبات والاحتواء المحدود.
غير أن هذا “الهدوء”، وفق الكاتبة، لم يكن سوى حالة مؤقتة سرعان ما تلاشت، إذ تبيّن أن التغيّرات الأعمق كانت تتراكم تحت السطح، وأن صنعاء لم تكن في موقع تراجع، بل في طور إعادة التموضع وتعظيم المكاسب السياسية والعسكرية التي راكمتها خلال مرحلة إسناد غزة.
وتشير الدراسة إلى أن القراءة الأمريكية القاصرة لهذا المشهد أغفلت حقيقة أن قوات صنعاء تعاملت مع المرحلة باعتبارها فرصة استراتيجية، لا هدنة عابرة، وهو ما جعل أي رهان على احتوائها من بعيد رهانًا هشًا وقابلًا للانهيار عند أول اختبار ميداني جدي.
المحور الثاني: تصدّع معسكر خصوم صنعاء وتحولات الشرق اليمني
في مطلع ديسمبر، شهد جنوب وشرق اليمن، بحسب “فورين أفيرز”، تحوّلًا دراماتيكيًا مع إطلاق المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، حملة واسعة للسيطرة على مناطق استراتيجية في حضرموت والمهرة، وهما منطقتان بالغتا الأهمية، نظرًا لغناهما بالطاقة وارتباطهما المباشر بالحدود السعودية والعُمانية.
وتعتبر الدراسة أن هذا التحرك شكّل انقلابًا فعليًا في موازين القوى داخل معسكر القوى الموالية للتحالف، وأعاد تفجير التناقضات العميقة داخل ما يُعرف بـ«الحكومة المعترف بها دوليًا»، حيث تصطدم الأجندة الانفصالية المدعومة من أبوظبي بالمصالح الأمنية والسياسية للرياض.
هذا المشهد، وفق التحليل الأمريكي، وفّر بيئة مواتية لقوات حكومة صنعاء لتوسيع تحركاتها شرقًا، لا سيما باتجاه المناطق النفطية، في ظل خطاب معلن يتحدث عن “استكمال السيطرة على كامل اليمن”. وتشير الكاتبة إلى أن صنعاء تراقب هذا التصدع الداخلي عن كثب، وتدرك أن صراعات الخصوم تمثل فرصة استراتيجية أكثر منها تهديدًا مباشرًا.
كما تحذّر الدراسة من أن أي تصعيد داخلي بين الفصائل الموالية للسعودية والإمارات قد يخلق فراغًا استراتيجيًا واسعًا، يمكن لقوات صنعاء استثماره عسكريًا أو سياسيًا، بما يعزّز من موقعها التفاوضي ويُضعف خصومها على أكثر من جبهة.
المحور الثالث: القدرات العسكرية وإسناد غزة… من التجربة إلى إعادة تشكيل الإقليم
تلفت “فورين أفيرز” إلى أن قوات صنعاء استثمرت سنوات الهدنة الهشة في تطوير قدراتها العسكرية عبر التصنيع المحلي، حتى أصبحت قادرة على تجهيز صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة متطورة، ما منحها هامش استقلال تقني غير مسبوق مقارنة بالمراحل السابقة من الحرب.
وترى الدراسة أن إسناد غزة شكّل نقطة تحوّل نوعية في الخبرة العملياتية لقوات حكومة صنعاء. ففي حين فشلت الصواريخ في المراحل الأولى من الحرب في الوصول إلى عمق الأراضي المحتلة، أصبحت –بحلول منتصف 2025 وفق الدراسة– قادرة على ضرب أهداف استراتيجية، من بينها مطار اللد المعروف احتلاليًا باسم “بن غوريون”، إضافة إلى اختراق الدفاعات الجوية في أم الرشراش.
وتؤكد الكاتبة أن هذه القفزة لم تكن مجرد تطور تقني، بل ثمرة تجربة قتالية حقيقية، أتاحت اختبار أسلحة جديدة وتحسين دقة الاستهداف، ما عزّز من مكانة صنعاء كلاعب إقليمي يمتلك أدوات ضغط فعّالة.
في المقابل، تحذّر الدراسة من أن الاعتماد على الضغط المالي وحده قد يأتي بنتائج عكسية، ويدفع قوات صنعاء إلى تعويض خسائرها عبر السيطرة على موارد إضافية، وفي مقدمتها مأرب الغنية بالنفط، أو من خلال فرض معادلات ردع جديدة، قد تشمل إرغام السعودية على دفع أموال يمنية محتجزة أو تقديم تعويضات عن سنوات العدوان.
وتشير إلى أن التهديدات العلنية لصنعاء تجاه الرياض، وإعادة نشر مشاهد لهجمات سابقة على منشآت أرامكو، تعكس استعدادًا واضحًا لاستخدام القوة مجددًا إذا اقتضت المعادلة ذلك، في وقت تتراجع فيه ثقة السعودية بالمظلة الأمنية الأمريكية.
وتخلص الدراسة إلى أن الرهان الأمريكي على احتواء قوات حكومة صنعاء عن بُعد، أو التعويل على كيان الاحتلال للقيام بدور الردع، رهان محفوف بالمخاطر. فصنعاء، بحسب المجلة، تتمركز في جغرافيا جبلية عصيّة على الحسم العسكري، وأي ضربات إسرائيلية إضافية قد تسهم في تعزيز شعبيتها الداخلية بدلًا من إضعافها.
وفي ظل غياب استراتيجية أمريكية طويلة الأمد، تحذّر الكاتبة من أن اليمن مرشّح للتحول إلى مركز ثقل إقليمي جديد، يعيد رسم موازين القوى في مرحلة ما بعد غزة، على نحو قد يفاجئ واشنطن وحلفاءها، ويكرّس واقعًا لم تعد فيه صنعاء مجرد ساحة صراع، بل لاعبًا مؤثرًا في معادلات المنطقة.
المرجع:
موقع Foreign Affairs “فورين أفيرز” الأمريكي



