اليمن في مرآة الإعلام الغربي والعبري: تصدّع التحالفات وتحوّل الصراع من الوكلاء إلى المصالح الكبرى
تغطيات دولية تكشف احتدام الخلاف السعودي–الإماراتي في اليمن، وارتدادات البحر الأحمر، وقلقًا إسرائيليًا متصاعدًا من إيران وتآكل الردع

اليمن الجديد نيوز | تقارير وتحليلات
الملف اليمني يتصدّر الإعلام الدولي
هيمن الملف اليمني على تغطيات الإعلام الغربي والعبري خلال الأسبوع الجاري، وسط تركيز لافت على تصاعد التوتر داخل معسكر التحالف السعودي–الإماراتي، وانعكاساته السياسية والعسكرية على الأرض، في ظل عجز متزايد لما تُعرف بـ«الشرعية» عن فرض أي توازن فعلي في الجنوب.
صحيفة «العربي الجديد» القطرية أكدت في أكثر من تقرير أن المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، بات الطرف الأقوى في عدن، مسيطرًا على المؤسسات والقرار الحكومي، مقابل تراجع نفوذ حكومة العليمي. ونقلت الصحيفة عن مصادر في الرياض والقاهرة أن رئيس مجلس القيادة يعوّل بشكل شبه كامل على موقف سعودي حاسم، محذّرة من أن استمرار الغموض سيجعل احتواء الانتقالي مهمة شبه مستحيلة.
صراع الحلفاء: الرياض وأبوظبي على خط المواجهة
الإعلام الغربي خصص مساحات واسعة لتحليل الصدع المتنامي بين السعودية والإمارات في جنوب اليمن. مجلة «ذا كريدل» الأمريكية رأت أن الرياض بدأت تدرك خسارتها للمعركة الميدانية أمام أبوظبي، ما دفعها للبحث عن «ساحات خلفية» لإعادة هندسة تحالفاتها الخليجية، بما في ذلك التقارب مع قطر بهدف عزل الإمارات سياسيًا.
أما صحيفة «التلغراف» البريطانية فوصفت التنافس السعودي–الإماراتي بأنه «مدمّر»، ويستدعي اهتمامًا دوليًا عاجلًا، مشيرة إلى أن واشنطن تفضّل البقاء في موقع المراقب، رغم تضارب أجندات حلفائها.
من جهته، حذّر معهد تشاتام هاوس من أن مرحلة «الصبر الاستراتيجي» بين البلدين شارفت على نهايتها، معتبرًا أن مظهر الارتباك السعودي يتجلى بوضوح على حدود اليمن، لا على حدود الإمارات.
حضرموت والمهرة.. صراع النفوذ والطاقة
موقع «دارك بوكس» الفرنسي كشف أن تمدد قوات المجلس الانتقالي نحو حضرموت والمهرة لم يكن تحركًا عفويًا، بل جاء بعد أشهر من التنسيق والدعم السياسي الإماراتي، في إطار رؤية تعتبر شرق اليمن جائزة استراتيجية، خصوصًا في ملف الطاقة والبنى التحتية.
وأشار التقرير إلى أن السعودية اختارت «الانسحاب الهادئ» لتفادي صدام مباشر، لكنها تبدي قلقًا متزايدًا من تجاوز الانتقالي للخطوط الحمراء، لا سيما بعد سيطرته على منشآت حيوية.
وفي السياق ذاته، رجّح موقع InsideOver الإيطالي اقتراب مواجهة غير مباشرة بين الرياض وأبوظبي، مستبعدًا تحوّلها إلى حرب نظامية، ومؤكدًا أنها ستبقى في إطار «كسر العظم» عبر الوكلاء المحليين.
تهديدات متبادلة وأوراق ضغط اقتصادية
تصاعد التوتر بعد رسائل علنية وجّهها مستشار الرئيس الإماراتي عبدالخالق عبدالله إلى رشاد العليمي، دعاه فيها إلى «مغادرة المشهد السياسي بكرامة»، وهو ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا.
في المقابل، لوّح إعلاميون سعوديون بإمكانية رد قاسٍ إذا استمر «تمرد» الانتقالي، فيما حذّر معهد واشنطن من احتمالات اندلاع مواجهات في حضرموت وواديها بين قوات موالية للطرفين.
اقتصاديًا، نقلت «العربي الجديد» أن السعودية تدرس نقل إدارة البنك المركزي من عدن إلى الرياض أو عمّان، في خطوة فُسّرت كورقة ضغط مباشرة، مع تحذيرات من تداعيات كارثية على الوضع المعيشي في مناطق سيطرة التحالف.
البحر الأحمر.. عودة حذرة للتجارة
تطرقت التغطيات الغربية إلى استئناف حذر لعبور السفن في البحر الأحمر وباب المندب. موقع The Load Star البريطاني نقل عن شركة «يانغ مينغ» التايوانية أن أي عودة كاملة مرهونة بتوقف الهجمات كليًا، وربط ذلك باستقرار اتفاق غزة، في إشارة إلى استمرار تأثير العمليات اليمنية على التجارة العالمية.
في المقابل، تناول الإعلام العبري أزمة ميناء أم الرشراش (إيلات)، حيث وصف موقع «واللا» شلله منذ بدء الهجمات اليمنية بأنه «أزمة وطنية»، مؤكدًا أن شركات التأمين لا تزال ترفض تغطية المخاطر.
قلق إسرائيلي متصاعد وتحذيرات من المغامرة
في الداخل الإسرائيلي، طغت نبرة القلق. صحيفة «هآرتس» نشرت مقالًا للواء المتقاعد إسحق بريك حذّر فيه من أن أي هجوم على إيران قد يقود إلى «كارثة وطنية»، في ظل استنزاف منظومات الدفاع الصاروخي وقدرة طهران على توجيه ضربات دقيقة.
كما أثارت «يديعوت أحرونوت» جدلًا واسعًا بنشرها مزاعم عن مشروع نووي إيراني من «الجيل الرابع»، رغم إقرارها بعدم امتلاك طهران القدرة الفعلية حاليًا، وفق تقديرات أمريكية.
وتزامن ذلك مع تحذيرات مسؤولين وخبراء إسرائيليين من تصاعد الخوف داخل المجتمع، بعد الكشف عن عشرات قضايا التجسس المرتبطة بإيران.
غزة والاستيطان.. فشل الخيارات الإسرائيلية
في ملف غزة، برزت دعوات داخل الإعلام العبري لإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، باعتبارها «الخيار الأقل كلفة» على جيش الاحتلال، في إقرار ضمني بفشل البدائل الأخرى.
وعلى الأرض، صادق مجلس حرب الاحتلال على إقامة 19 مستوطنة جديدة، وهو ما وصفته المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز بـ«الإبادة الجغرافية»، منتقدة في الوقت نفسه صفقات الغاز مع الاحتلال بوصفها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
ترامب.. دبلوماسية هشة وطبول حرب بعيدة
دوليًا، وجّه الكاتب ستيفن والت في «فورين بوليسي» انتقادات حادة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واصفًا اتفاقياته المعلنة بالـ«زائفة والخطيرة»، كونها تفتقر إلى الإعداد الدبلوماسي الحقيقي.
وفي السياق العسكري، رصدت تقارير تحشيدًا أمريكيًا في قاعدة «ماكديل» بفلوريدا، وسط مؤشرات على تصعيد محتمل قبالة السواحل الفنزويلية، طمعًا في الثروة النفطية، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما جرى في البحر الأحمر.
خلاصة المشهد
تعكس تغطيات الإعلام الغربي والعبري مشهدًا إقليميًا شديد الاضطراب: تصدّع غير مسبوق داخل التحالف في اليمن، تأثير مستمر للعمليات اليمنية في البحر الأحمر، وقلق إسرائيلي متزايد من إيران وتآكل الردع.
مشهد يؤكد أن المنطقة تتجه نحو مرحلة أكثر غموضًا، حيث تضعف التحالفات التقليدية، وتتقدّم المفاجآت، في وقت بات فيه اليمن نموذجًا حاضرًا في حسابات الصراع من البحر الأحمر إلى الكاريبي.



