غزل استراتيجي: موسكو تهمس في أذن الحوثيين

اليمن الجديد نيوز| تقارير|
من مشهد البدايات المتقشف، إلى موقع متقدم في الجغرافيا العسكرية العالمية، تتحرك جماعة الحوثيين (أنصار الله) في اليمن بثبات يربك موازين القوى، فمن البنادق الخفيفة والأقدام الحافية، إلى صواريخ تفوق سرعة الصوت وطائرات مسيرة تخترق الأجواء وتفرض حصاراً استراتيجياً يحمل تداعيات دولية، هكذا وصف تقرير موقع ForPost الروسي قوة الحوثيين المتصاعدة.
ورأى تقرير موقع ForPost الروسي أن جماعة الحوثيين (أنصار الله) لا تكتفي بما راكمته من قدرات تقنية، بل تتحرك مدفوعة بإرادة سياسية صلبة، يصعب كسرها حتى من قبل أقوى الفاعلين الدوليين، بمن فيهم الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة.
ووفق التقرير، فإن الجماعة باتت تضرب في عمق المصالح الغربية، من التجارة الدولية إلى المراكز الإسرائيلية الحساسة، متجاوزة الصورة التقليدية لحركات المقاومة، لتفرض نفسها كقوة ترسم ملامح توازنات جديدة في الجغرافيا السياسية العالمية.
ويؤكد تقرير موقع ForPost الروسي أن الفجوة بين الاستثمارات الغربية الهائلة في أنظمة الدفاع الصاروخي، وبين الصواريخ التي تطلقها جماعة الحوثيين (أنصار الله) من صنعاء، تعبر عن تحول نوعي في طبيعة الصراع.
فحين تتمكن قوة غير تقليدية من استخدام أسلحة تفوق سرعة الصوت لضرب أهداف دقيقة، فإن الأمر لا يعد مجرد عمل عسكري معزول، بل إشارة واضحة إلى تصدع النظام العالمي القائم.
ويضيف التقرير أن من اعتادوا وصف الحوثيين بـ”المتمردين” في كواليس البنتاغون باتوا اليوم يراقبون ضرباتهم التي تستهدف أكثر النقاط حساسية، سلاسل الإمداد، حركة التجارة العالمية، الأمن الإسرائيلي، وقبل كل شيء، مكانة الولايات المتحدة على المسرح الدولي.
لا تكتفي قوات صنعاء بتوجيه رسائل عسكرية إلى إسرائيل، بل تسعى لإيصال رسالة أوسع إلى العالم مفادها أن زمن القطبية الأحادية قد شارف على نهايته.
وأشار تقرير ForPost الروسي إلى أن التصريحات الأخيرة للمتحدث العسكري باسم الجماعة، العميد يحيى سريع، لم تعد مجرد بيانات عملياتية، بل أقرب إلى رسائل جيوسياسية محسوبة بهدوء وثقة، أعلن عن إطلاق صاروخ “فلسطين-2” الأسرع من الصوت باتجاه مطار إسرائيلي، وعن تحليق طائرات مسيرة فوق مدن مثل يافا وعسقلان وإيلات – ممارساً خطاباً يشبه تكتيك لاعب يتقن قواعد اللعبة، لا ثائر يتحرك تحت الضغط.
في الوقت الذي تظهر فيه العواصم الأوروبية ارتباكاً متصاعداً إزاء تداعيات الضربات اليمنية على إمدادات الطاقة العالمية، وتتابع الأسواق سلسلة التفاعلات المقلقة، تلتزم بروكسل وواشنطن الصمت الحذر، حتى دونالد ترامب، الذي روج ذات يوم لخطط كبرى لتحقيق “السلام في الشرق الأوسط”، يجد نفسه اليوم في موقع المتفرج، أمام لاعبين جدد يعيدون صياغة توازنات الإقليم ورسم خارطة النفوذ من جديد.
وقال تقرير موقع ForPost الروسي إن قواعد اللعبة قد تبدلت جذرياً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حين نجحت جماعة الحوثيين (أنصار الله) في شل حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، فارضة حصاراً معلناً دعماً للقضية الفلسطينية.
هذا التحول، بحسب التقرير، لم يكن مجرد تصعيد تكتيكي، بل كشف عن موقع جيوسياسي جديد لليمن، الذي طالما ارتبط في الذهنية الغربية بالفقر والفوضى.
أما اليوم، فإن الدولة التي كانت تستبعد من الحسابات الاستراتيجية تحولت إلى محور فعال وصوت إقليمي لا يمكن تجاهله، في مواجهة الاتهامات الغربية التي تتهم صنعاء بإذكاء الفوضى وتهديد الاستقرار الإقليمي، يواصل المتحدث العسكري العميد يحيى سريع التمسك بموقفه المعلن: “سنتحرك حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة”.
هذا الموقف الثابت، رغم بساطته الظاهرية، هو ما يمنح جماعة الحوثيين (أنصار الله) بعداً أخلاقياً تتجنبه عادة القوى الكبرى.
ففي عالم تباع فيه المبادئ مقابل النفط، ويعاد تعريف “الإنسانية” وفق المصالح، يظهر اليمن – كما يصف تقرير ForPost – كلاعب نادر يتصرف بعناد أخلاقي، لا يملي عليه السوق ما يجب أن يقال أو يفعل.
أثبتت جماعة الحوثيين (أنصار الله)، عبر تكرار النجاحات العملياتية، أنها تجاوزت مرحلة المتمردين الإقليميين لتصبح قوة سياسية ذات رؤية واستراتيجية واضحة.
ويعزى ذلك، بشكل ملفت، إلى تطور ملحوظ في قدراتها التكنولوجية، حيث باتت ضربات الطائرات المسيّرة والصواريخ الأسرع من الصوت سمات بارزة في أدائها العسكري.
البحر الأحمر بات ساحة حاسمة لمواجهتهم، إذ لم ينجح أي طرف حتى الآن في الإطاحة بهم أو تقويض مكانتهم كمركز للمقاومة.
وبينما كان الحوثيون (أنصار الله) يخشى سابقاً وينظر إليهم باعتبارهم تهديداً، فإنهم الآن يحظون بمستوى جديد من الاحترام، وهو ما يعتبر تهديداً حقيقياً لأولئك الذين اعتادوا أن يحتكروا دور صانعي السلام والسلطة الإقليمية.