عودة البحر الأحمر تلوّح بزلزال في الشحن العالمي اضطراب تشغيلي يعيد رسم المسارات ويضغط على الأسعار في 2026
من «الوضع الطبيعي الجديد» حول رأس الرجاء الصالح إلى اختبار العودة عبر باب المندب… سوق الحاويات على أعتاب مرحلة انتقالية قد تبدأ في الموانئ وتنتهي بهبوط سعري واسع

اليمن الجديد نيوز | أخبار الشحن
تحوّل قسري أعاد تسعير المخاطر
شهدت سوق شحن الحاويات خلال العامين الماضيين تحولاً غير مسبوق، بعدما دفعت عمليات قوات صنعاء في البحر الأحمر شركات الملاحة إلى الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح، مبتعدةً عن باب المندب وقناة السويس. لم يكن هذا التحول مجرد تغيير مسار، بل إعادة تسعير شاملة لمخاطر النقل، أطالت زمن الرحلات، ورفعت التكاليف، وأنتجت «وضعاً طبيعياً جديداً» مكلفاً لكنه قابل للتنبؤ.
العودة المحتملة… سؤال التوقيت لا الإمكان
مع تزايد حديث الأسواق عن عودة تدريجية محتملة إلى البحر الأحمر، ترى مجموعة ING الهولندية أن هذا الملف سيكون «العامل الأهم للمراقبة» في 2026. فالسؤال لم يعد: هل ستعود الخطوط؟ بل: متى وبأي وتيرة، وكيف سينعكس ذلك على الأسعار والسعة والجداول عندما تُقدم أول شركة كبرى وتفتح الباب أمام الآخرين.
قناة السويس: شريان التجارة الذي طال مساره
تاريخياً، شكّلت قناة السويس ركيزة أساسية لتجارة الشرق–الغرب، خصوصاً تدفقات الحاويات نحو أوروبا. تحويل هذا الشريان إلى مسار أطول حول إفريقيا أضاف أميالاً وأياماً تشغيلية، ورفع استهلاك الوقود والانبعاثات، وأجبر سلاسل الإمداد على إعادة ضبط المخزون والمواعيد.
مفارقة الأرباح: كفاءة أقل… وأسعار أعلى
رغم كلفة الالتفاف، استفادت شركات الشحن من ندرة سعة «مصطنعة» أعادت إنعاش الأسعار وهوامش الربحية بعد تراجعها عقب ذروة الجائحة. لذلك تبدو عودة البحر الأحمر خبراً جيداً للكفاءة، لكنها مقلقة لقطاع اعتاد على قوة تسعيرية ناتجة عن المسارات الأطول.
لحظة الحقيقة: قرار واحد يشعل السلسلة
تحذّر ING من أن قرار العودة لن يكون فردياً؛ فالقطاع يعمل بمنطق التماثل التنافسي. إذا اعتبرت شركة كبرى المخاطر مقبولة، ستلحق بها أخرى سريعاً كي لا تخسر ميزة الزمن والكلفة. هذا «السلوك القطيعي» قد يجعل العودة صاخبة بحجم الصدمة الأولى، مع اختناقات محتملة في الموانئ وإعادة تموضع الحاويات الفارغة.
مواقف الخطوط الكبرى: بين الترقّب والاختبار
تخفف شركات مثل ميرسك وهاباغ لويد من لهجة الاستبعاد، وتربط العودة بـ«سماح الظروف». في المقابل، تبدو CMA CGM أكثر ميلاً للاختبار تحت حراسة بحرية. غير أن بيانات الحركة حتى نوفمبر 2025 تؤكد أن الزخم الطبيعي لم يعد بعد، وأن السوق ما تزال بين الترقّب والتجربة المحدودة.
3000 ميل أقل… 10 أيام أسرع
العودة عبر البحر الأحمر تختصر أكثر من 3000 ميل بحري على خط آسيا–شمال غرب أوروبا، وتقلّص نحو عشرة أيام إبحار. هذا الاختصار يحرّر سعة عالمية كبيرة، إذ يقل الوقت الضائع في البحر وتزداد وتيرة تدوير السفن، فتبدو السوق وكأنها تلقت سفناً إضافية دون تسليمات جديدة.
سعة محرَّرة وسفن قادمة
يتقاطع تحرير السعة مع دخول سفن جديدة من دفتر طلبات ضخم خلال 2026، وفق بيانات كلاركسونز. اجتماع العاملين يرجّح فائض معروض يضغط على الأسعار لاحقاً، وإن كان المسار لن يكون خطاً مستقيماً بسبب حساسية التوقيت والتأمين.
المرحلة الأولى: اضطراب الموانئ
تحذّر قراءة ING من أن اختصار زمن الإبحار قد يؤدي إلى وصول «مبكر» للسفن مقارنة بالجداول المبنية على الالتفاف، ما يخلق ازدحاماً في الموانئ رغم ثبات الطلب. تتأثر حركة الحاويات الفارغة، والنقل البري والسككي، وقد تلجأ الشركات لإلغاء رحلات لتخفيف الضغط، مع تذبذب سعري انتقالي.
مواسم الذروة تُضاعف الأثر
إذا تزامنت العودة مع فترات ذروة—مثل ما قبل رأس السنة القمرية الصينية—يتضاعف الأثر: وصول مبكر، طلب أعلى، وضغط على السعة. أما إن جاءت في توقيت هدوء موسمي، فقد تُمتص الصدمة تدريجياً، دون تفادي اضطرابات الأشهر الأولى.
المرحلة الثانية: هبوط الأسعار
بعد استقرار الجداول، تتوقع ING ضغطاً نزولياً قوياً على الأسعار بفعل فائض السعة ونمو أحجام محدود. وفورات الوقود قد لا تعوّض تراجع القوة التسعيرية. أدوات مثل التشغيل البطيء وتسريع تخريد السفن القديمة قد تخفف الأثر، لكنها تحتاج وقتاً.
قرار مالي بامتياز
التوقيت هنا ليس أمنياً فقط؛ بل مالي. تأخير العودة يُبقي الأسعار مدعومة، بينما تعني العودة الواسعة مواجهة واقع أكثر قسوة بعد فترة أرباح مرتفعة نسبياً.
التأمين والتحالفات… كوابح الاستعجال
تخشى الشركات «الارتداد المزدوج»—العودة ثم التراجع—لما يحمله من كلفة على الثقة والجداول. هذا الاعتبار يثقل كاهل تحالفات جديدة مثل جيميني (ميرسك–هاباغ لويد) التي وعدت بموثوقية أعلى. كما تبقى أقساط التأمين وشروطه بوابة العبور العملية، ما يرجّح اختبارات محدودة قبل خدمات رئيسية محمّلة ببضائع حساسة.
الخلاصة: من الموانئ إلى الأسعار
تضع قراءة ING السوق أمام مفارقة واضحة: عودة البحر الأحمر تعني كفاءة أعلى زمنياً وبيئياً، لكنها ستبدأ باضطراب تشغيلي، وقد تنتهي بهبوط سعري يعيد تشكيل أرباح القطاع في 2026.
الحاسم هو متى ستحدث العودة: هل باضطراب قابل للاحتواء واستقرار تدريجي، أم بارتباك متتابع يتبعه ضغط سعري واسع بعد عامين من انتعاش غير متوقع



