ما هي الأسباب التي تدفع دول الخليج لرفض الانخراط في العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية ضد الحوثيين؟
اليمن الجديد نيوز:
قال المركز العربي للدراسات في واشنطن إن موقف دول الخليج من عدم الانخراط في العمليات الأمريكية والبريطانية ضد قوات حكومة صنعاء يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الخوف من التعرض لهجمات يمنية، بالإضافة إلى التأييد الجماهيري الكبير الذي تحظى به عمليات قوات صنعاء الداعمة لغزة داخل العالم العربي، بما في ذلك دول الخليج نفسها.
ونشر المركز تقريراً أوضح فيه أن “منذ نوفمبر الماضي، بدأت حركة أنصار الله اليمنية، المعروفة باسم الحوثيين، في مهاجمة السفن التجارية التي تقول إنها متجهة إلى موانئ إسرائيلية أو مرتبطة بإسرائيل، الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وذلك كرد فعل على الحرب في غزة”.
وأشار التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين، الكويت، عمان، قطر، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة) تشعر بقلق بالغ حيال تأثير سلوك أنصار الله على طرق الشحن، التي تعتبر أساسية لشحنات النفط والغاز التي تعتمد عليها اقتصادات الخليج.
ورغم هذا القلق، يعتقد التقرير أن “دول الخليج ترى أن التدخل العسكري الأمريكي البريطاني منذ يناير الماضي، والذي يستهدف ردع الهجمات البحرية للحوثيين، يعد مضللاً. فعلى الرغم من معارضة هذه الدول لهجمات الحوثيين، إلا أن الزعماء في أغلب دول مجلس التعاون يرون أن حملة القصف الأمريكية البريطانية ضد أنصار الله استراتيجية غير واقعية وخطيرة”.
وأكد التقرير أن “دول مجلس التعاون الخليجي فقدت الثقة في قدرة الولايات المتحدة على توفير قيادة متوازنة في الشرق الأوسط. ويعتقد العديد من المسؤولين في الخليج العربي أن التدخل الأمريكي البريطاني ضد أنصار الله يمثل حملة تخريبية. وتدرك حكومات الخليج بشكل متزايد أن واشنطن تتجاهل المخاوف الأمنية لدول المجلس بشأن الحوثيين وإيران، بينما تقدم دعماً غير مشروط لإسرائيل”.
وأضاف التقرير أن “في يناير الماضي، أعربت بعض دول مجلس التعاون الخليجي عن مخاوفها تجاه تصرفات واشنطن ولندن، وذلك بعد الإعلان عن عملية حارس الازدهار. وحذرت قطر الغرب من التركيز فقط على الأعراض، متجاهلة السبب الحقيقي وهو حرب إسرائيل على غزة. كما أعربت الكويت عن قلقها العميق حيال التطورات في منطقة البحر الأحمر عقب الهجمات التي استهدفت مواقع في اليمن. من جهتها، ذهبت عُمان إلى أبعد من ذلك بإدانة استخدام العمل العسكري من قبل الدول الصديقة، منتقدةً اللجوء إلى القوة العسكرية في حين تواصل إسرائيل حربها الوحشية دون محاسبة”.
واعتبر التقرير أنه “ليس من المستغرب أن تتفاعل مسقط والدوحة والكويت سلباً مع التدخل العسكري الأمريكي البريطاني ضد الحوثيين. فلم تشارك عُمان قط في التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين والذي بدأ في عام 2015، بينما انفصلت قطر عن التحالف بعد عامين. أما الكويت فقد لعبت دوراً رمزياً إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن قرار السعودية بالنأي بنفسها عن التدخل الأمريكي البريطاني قد يكون الأكثر إثارة للدهشة”.
وأشار التقرير إلى أنه “في السابق، كانت المملكة العربية السعودية هي الدولة الأكثر تشدداً في مجلس التعاون الخليجي تجاه الحوثيين، وكانت تدعم بقوة العمل العسكري الغربي ضدهم. ولكن اليوم، تسعى المملكة إلى تجنب الحرب مع أنصار الله بأي ثمن تقريباً. في المقابل، لم تدعم الإمارات العربية المتحدة الإجراءات الأمريكية البريطانية بشكل مباشر، لكنها أيضاً لم تُدنها. وفي الثاني عشر من يناير، أكدت أبو ظبي على أهمية الحفاظ على الأمن في خليج عدن والبحر الأحمر، متخذةً موقفاً محايداً إلى حد ما”.
وأضاف التقرير أن “المسؤولين العرب في دول الخليج تجنبوا عموماً انتقاد واشنطن ولندن علناً بشأن هذه القضية. ونظراً للعلاقات الوثيقة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي والعاصمتين الغربيتين، من المحتمل أن يكون هؤلاء المسؤولون قد اختاروا التعبير عن مخاوفهم بشكل خاص لتجنب أي خلافات كبيرة”.
وأكد التقرير أن “هذا التطور يجب فهمه في ضوء عوامل متعددة تدفع دول مجلس التعاون الخليجي إلى النأي بنفسها عن التدخل الذي تقوده الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في اليمن”. ويعتبر أن “أحد العوامل الرئيسية في هذه الحسابات الخليجية هو التهديد المتزايد بهجمات انتقامية من الحوثيين. فعندما كان التحالف العسكري بقيادة الرياض يخوض حرباً ضد الحوثيين من مارس 2015 حتى هدنة أبريل 2022، شنت جماعة أنصار الله العديد من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد أهداف سعودية، مثل مطارات الرياض وأبها منذ عام 2017، وضربة على منشأة نفطية في جازان في يوليو 2020، وسلسلة هجمات في مارس 2022 على محطات الغاز الطبيعي، محطات تحلية المياه، ومحطات الكهرباء“.
وأشار التقرير إلى أن “الرياض قررت في نهاية المطاف التفاوض مع أنصار الله بشأن شروط خروجها من المستنقع اليمني، جزئياً نتيجة تأثير هذه الهجمات المتكررة على المملكة”.
وأضاف التقرير: “لقد أدركت المملكة العربية السعودية أن التهديد الذي تشكله أنصار الله سيزداد بمرور الوقت”. وبيّن التقرير أن “الحوثيين أصبحوا أكثر تطوراً في هجماتهم الصاروخية والطائرات بدون طيار. وخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، تضاعف عدد هجمات الحوثيين ضد المملكة مقارنة بالفترة نفسها في عام 2020”.
وتابع التقرير: “لقد أدركت الحكومة السعودية، التي تركز على رؤية 2030 وتحتاج إلى مستوى هائل من الاستثمار الأجنبي، أن الحرب التي تخوضها المملكة ضد الحوثيين، والتي تبدو غير قابلة للربح، تقوض قدرتها على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والتنويع. على سبيل المثال، في مارس 2022، ضربت جماعة أنصار الله مستودع وقود في جدة بصاروخ خلال حدث لجائزة الفورمولا 1 الكبرى، مما ذكّر الرياض بأن صناعات الرياضة والترفيه التي تتماشى مع رؤية 2030 تتطلب الاستقرار والأمن داخل المملكة”.
وبالمثل، أوضح التقرير أن “الإمارات عانت من هجمات الحوثيين باستخدام الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار. ففي 17 يناير 2022، ضربت جماعة أنصار الله أهدافاً في أبو ظبي، التي تبعد حوالي 900 ميل عن صنعاء، مما أسفر عن مقتل ثلاثة موظفين في شركة أبو ظبي الوطنية للنفط. كما أصابت الصواريخ والطائرات بدون طيار منشأة نفطية وجزءاً من مطار أبو ظبي الدولي الذي كان قيد الإنشاء”.
وأشار التقرير إلى أن “المسؤولين الإماراتيين يدركون أهمية الحفاظ على سمعة الإمارات في مجال الاستقرار الداخلي، وهو أمر ضروري لجذب الشركات والاستثمارات والسياح. وبما أن ما يقرب من 90% من سكان الدولة هم من الأجانب، فإن أي تهديدات (حقيقية أو متصورة) لسلامتهم قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على صحة اقتصاد الإمارات. لذلك، فإن تهدئة مثل هذه المخاوف الأمنية تُعد أولوية قصوى للسلطات الإماراتية”.
وأضاف التقرير: “في هذا العام، لاحظ المسؤولون السعوديون والإماراتيون نجاح ضربات حوثية في جنوب إسرائيل وتل أبيب باستخدام نسخة من طائرة بدون طيار من طراز صماد-3. وقد تطلبت هذه الطائرة مسافة 1600 ميل تقريباً للوصول إلى هدفها، مما يعني أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، وأيضاً الأمريكية والبريطانية والمصرية، فشلت في اكتشاف الطائرة بدون طيار. ومع اكتساب أنصار الله مكانة بارزة ضمن محور المقاومة بقيادة إيران بسبب أفعالهم تجاه إسرائيل، تتعامل تل أبيب مع تحديات أمنية خطيرة تفرضها الجماعة اليمنية. ومن السهل فهم سبب قلق المسؤولين في الرياض وأبو ظبي من قدرات أنصار الله”.
واستناداً إلى التقرير، فإن “الرأي العام في العالم العربي أيضاً يحفز غالبية دول الخليج العربية على النأي بنفسها عن العمليات العسكرية الأمريكية والبريطانية ضد أنصار الله. حتى لو عارضت جميع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الهجمات البحرية التي ينفذها الحوثيون، فإن هناك تعاطفاً كبيراً بين مواطنيها مع عمليات أنصار الله في خليج عدن والبحر الأحمر. في الخليج العربي، يرى جزء كبير من المجتمع أن تصرفات الحوثيين تُعتبر دفاعاً عن غزة. بناءً على ذلك، إذا قامت دول مجلس التعاون الخليجي بدعم عملية حارس الرخاء أو التدخل العسكري الأمريكي البريطاني في اليمن، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات بين الدولة والمجتمع. نظراً لأن القضية الفلسطينية قادرة على حشد المواطنين العرب بسرعة، فإن قادة دول الخليج العربية حذرون من تأثير ردود أفعالهم على حرب غزة على شرعيتهم بين شعوبهم، خاصةً بعد تزايد رفض التطبيع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر”.
كما أشار التقرير إلى أنه “على سبيل المثال، عبر العديد من مستخدمي منصة إكس البحرينيين عن رفضهم لدور المنامة في عملية حارس الرخاء من خلال هاشتاج بعنوان (بحرينيون ضد التحالف). كذلك، تسلط الرسائل المؤيدة لأنصار الله من مفتي عُمان، الذي لا يمثل الحكومة ولكنه يحظى بآراء شعبية بين العديد من العمانيين، الضوء على مدى الدعم للحوثيين بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي“.
وفي الختام، يوضح التقرير أن “غالبية دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الحكومات العربية الأخرى تعبر عن مخاوف جدية بشأن كيفية تأثير العمل العسكري الأمريكي والبريطاني في اليمن على أمنها. ومع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، وتزايد احتمال اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، ستواصل دول الخليج السعي للحفاظ على حيادها قدر الإمكان تجاه الجهود الغربية الرامية لمواجهة الحوثيين في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر“.