شراء الخبز الأخير في صنعاء

اليمن الجديد نيوز| خاص |
مساء يوم أمس لم يكن عادياً، في بدايته، لم يحمل شيئاً غير رائحة الخبز الطازج، خرج إبراهيم من منزله في حي شعوب بصنعاء، وكان يحمل بيده النقود التي أعطته إياها والدته.
ودعها بابتسامة على أمل اللقاء بعد دقائق، واتجه إلى سوق فروة الشعبي، حيث اعتاد شراء الخبز من ذات الفرن الصغير الذي يعرفه الجميع.
لم يكن يعلم أن تلك الخطوات البسيطة ستكون الأخيرة في درب حياته، وأن الأحلام التي يتسلى بها ليطوي مسافة الطريق ستحترق، وأن اللقاء بوالدته سيتأخر.
فبعد أن وصل إلى الفرن، هزّ صاروخ أمريكي سماء المكان وسماء صنعاء، ومضت لحظات من الصمت القاتل، تحول السوق إلى جحيم من نار وغبار ودم.
احترق الفرن… واحترق معه الحلم، استُشهد إبراهيم، وصاحب الفرن كذلك، ولم يتبق منهما سوى دماء تبلل حجارة السوق.
عويل الناس ملأ المكان، والجميع يركض باحثاً عن الأحبة تحت الركام، ومن بين الصرخات، صرخة واحدة اخترقت جدار الصوت والضمير، صرخة امرأة وطفل صغير، ممسك بقطعة من قماش ملطخة بالدم، ربما لأبيه أو أخيه، يهمس والدموع تخنق صوته:
يا رب إنه حلم… يا رب إنه حلم.
والمرأة تشاطره بصوت عالٍ: يا رب إنه حلم يا رب إنه حلم.
لم يكن حلماً، بل حقيقة التوحش الأمريكي.
تلك الصرخة لم تكن مجرد ألم، بل كانت تلخيصاً لوطن بأكمله يعيش تحت القصف، يُدفن فيه الأطفال قبل أحلامهم.
صرخة من صنعاء، تسمعها غزّة من بعيد… وكأن الألم بينهما طريق واحد، تسير عليه أرواح الشهداء بصمت، يحملون رسالة واحدة: نحن ضحايا الغطرسة الأمريكية، ضحايا فرعون هذا الزمان.
قصة إبراهيم ليست النهاية… بل بداية حكاية أمة، تحاول أن تبقى حية، رغم كل ما يراد لها من فناء.
نعم،
استُشهد إبراهيم، واستُشهد الفرّان، وعشرات المدنيين، وسيبقى السوق شاهداً على الجريمة الأمريكية.
ستبقى صرخة المرأة وحشرجة الطفل تُطارد ذاك الذي يضبط عقاله أمام المرآة ويجهز نفسه لسهرات الوناسة بين راقصات وخمور مستوردة، وتطارد كل من ينامون تحت سقف دافئ، ويشربون قهوتهم الصباحية ممسكين بهواتفهم لتبرير القتل وتبرئة المجرم، بينما أطفال صنعاء وغزة يجرون أكفانهم بأيديهم الصغيرة.
لن يشتري إبراهيم بعد اليوم الخبز، لكن ستلاحقكم لعنات الصمت والتبرير ما دامت الأرض باقية.