حل الدولتين بين وهم السلام وأسرار التلاعب الدولي

اليمن الجديد نيوز| تقارير| خاص|
مع اشتداد الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة وتصاعد التوجه نحو احتلال كامل للقطاع، عاد مشروع حل الدولتين إلى الواجهة، ليصبح الشغل الشاغل في عناوين الأخبار وتصريحات معظم الدول، وسط جدل محتدم حول جدواه وأهدافه الحقيقية.
يستحضر هذا المشروع في هذا التوقيت التاريخ الطويل من التلاعب بالقضية الفلسطينية، إذ تم التوصل إلى اتفاقيات المرحلتين عامي 1993 و1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة برئيسها آنذاك ياسر عرفات، وإسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها شمعون بيريز.
وعلى الرغم من أن الاتفاق نص على اعتراف متبادل – اعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي للفلسطينيين – فإن التطبيق العملي كان مختلفاً تماماً.
فاليوم، القدس شرقها وغربها وشمالها وجنوبها بيد الاحتلال، الذي يطمح إلى إقامة “إسرائيل الكبرى” على حساب سوريا ولبنان والعراق والسعودية، وقد أعلن ذلك صراحة أمام أنظار المجتمع الدولي.
السخرية في هذا الاتفاق أو الفخ إن صح التعبير كانت في شرط إسرائيل أن توفر الحماية العسكرية للمناطق الفلسطينية، بينما بقي الفلسطينيون بدون أي وسائل دفاعية حقيقية، ما أظهر أن حل الدولتين لم يكن سوى مخدر لتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء فكرة تحرير الأرض والمقدسات الإسلامية.
اليوم، مع تفاقم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تكشف أزدواجية المعايير الغربية بشكل صارخ.
فالدول التي تعتبر نفسها رعاية للسلام و”العدالة الدولية” تجد في إعادة تدوير فكرة حل الدولتين مخرجاً لها لتبرير موقفها، وتجنب مواجهة حقيقة الانتهاكات الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، جاء رد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ليؤكد رفضه أي ضغوط خارجية من أجل قبول دولة فلسطينية إلى جانبه، مؤكداً أن إسرائيل لن تقبل بأي “إملاءات” من المجتمع الدولي وسيكون له رد بعد عودته من الولايات المتحدة في إشارة إلى ضم الضفة الغربية إلى الكيان، وهو تجسيد حقيقي لمعنى تكامل الأدوار بين الاحتلال والدول الغربية التي تدعي الضغط للتسوية.
وبناءً على ذلك، تأتي مسارعة بعض الدول للاعتراف بفلسطين اليوم ضمن هذا الإطار، في محاولة لإعادة صياغة المشهد السياسي الدولي دون المساس بالواقع الميداني الذي يثبت أن حل الدولتين لم يكن يوماً خياراً عملياً للتحرير أو العدالة، بل أداة سياسية لإبقاء القضية الفلسطينية محاصرة بين وهم السلام والتضحيات المستمرة لشعبها.
كما يتضح دور السعودية والإمارات في تسويق فكرة حل الدولتين في المنطقة العربية كخطوة للهروب إلى الأمام من تواطؤهما أمام الجرائم الإسرائيلية، التي بلغت من البشاعة حد أن الأمم المتحدة صرخت بدلاً من التعبير عن القلق، في حين لم تهتز الضمائر العربية الرسمية، باستثناء صنعاء.
ويبدو أن هذه الأنظمة، وفي مقدمتها السعودية، تسارع نحو التطبيع تحت غطاء الاعتراف بدولة فلسطين، التي لن يكون لها وجود حقيقي لا على الخريطة ولا على الواقع، فيما تبدو أولوياتها متمثلة في إرضاء الرئيس الأمريكي السابق ترامب وصناع القرار في الولايات المتحدة.