مكة.. تصعد إلى السماء جائعة

اليمن الجديد نيوز| تقارير| خاص|
لا تتوقف المأساة في غزة، وهذه المرة، في أحد أركان مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، ووسط لحظة بدت وكأن الزمن تجمد فيها، توقف قلب الطفلة (مكة الغرابلي)، وسكن جسدها الصغير، وأغمضت عينيها للمرة الأخيرة.. دون أن تتذوق آخر قطرة من الحليب.
كان عمرها عاماً واحداً فقط.
عام من الحياة بالكاد عاشته، لكنّه كان كافياً لتشعر فيه بكل درجات الجوع، لتبكي حتى ينقطع صوتها، وتنتظر الحليب الذي لا يأتي.
قال والدها، (صلاح الغرابلي)، بصوت مكسور:
كانت تبكي من الجوع وأنا عاجز.. لا حليب، لا أدوية، لا علاج، نريد فقط فتح المعابر، لكسر الحصار الإسرائيلي.
في ذلك القسم من المستشفى، حيث لا كهرباء ولا دواء، ماتت (مكة) ليس لأنها مريضة، بل لأنها ولدت في المكان الخطأ، في زمن الحصار والجوع والموت البطيء التي فرضته آلة القتل الإسرائيلية.
لم تكن الضحية الأولى، ولن تكون الأخيرة في حرب تشن على الأجساد الهشة لأطفال غزة وعالم يتفرج فقط.
مكة، واحدة من بين 133 فلسطينياً قضوا جوعاً، معظمهم أطفال لم يتعلموا بعد نطق أسمائهم، لكنهم حملوا وزر حصار خانق وممنهج، ومجتمع دولي منافق لا يجرؤ على حماية قانونه الذي تنتهكه إسرائيل في كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة، فكيف له أن يحمي الإنسان؟
هي ليست رقماً، بل وجهاً جديداً للمأساة التي تتكشف كل يوم في غزة.
حيث يقول الأطباء إن الموت لم يعد يأتي بغارة، بل يمشي ببطء في بطون الأطفال، ينهش أجسادهم من الداخل، دون صوت.
تشير منظمة العمل ضد الجوع إلى أن 20,000 طفل نقلوا إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد.
ويؤكد برنامج الأغذية العالمي أن واحداً من كل 3 أشخاص في غزة يقضي أياماً بلا طعام، وأن 75٪ من السكان يعيشون تحت مستوى الجوع الطارئ.
كل يوم تأخير في إدخال المساعدات، كل ساعة صمت دولي، كل معبر مغلق.. يعني اقتراب مجزرة جماعية صامتة تهدد أكثر من 100,000 طفل، وفق تحذيرات منظمة “أطباء بلا حدود”.
في حضن أمها التي لم تكن تملك سوى دموعها، وفي قلب أبها الذي رحل بعضه معها، غادرت مكة.
غزة لم تفقد فقط رضيعة.. بل فقدت وعداً بالحياة.
والموت، هنا، لم يكن اختياراً، بل نتيجة مباشرة لحصار إسرائيلي خانق اختار أن تكون الطفولة هدفه الأضعف.
أمام سرير مكة الصغير، تكسرت الكلمات.
وبين ممرات المستشفى، ما زالت أرواح كثيرة تتشبث بالحياة، تنتظر جرعة حليب، أو أن يسمع أحد هذا الصراخ المكتوم منذ أشهر.
غزة اليوم ليست فقط ساحة حرب ترتكب فيها إسرائيل جرائمها.. إنها مقبرة للسكوت الإنساني.