الطلقة الحارقة.. شهادة أمريكية تهز الضمير الإنساني

اليمن الجديد نيوز| تقارير| خاص|
كان اسمه أمير، طفل لا يتجاوز عمر الزهور، نحيل الجسد، حافي القدمين، بعينين واسعتين لا تشبهان أعمار الأطفال، بل تحملان وجع وطن كامل.
في صباح يوم قائظ بقطاع غزة، في نهاية أيار، قرر أن يسير..
سار 12 كيلومتراً تحت الشمس التي لم ترحم جسده النحيل، عابراً الطرقات الرملية والغبار، بحثاً عن شيء يسد رمقه في مركز توزيع مساعدات تشرف عليه القوات الأمريكية والإسرائيلية في تل السلطان، غرب رفح.
انتظر في الطابور لساعات، لا يشكو ولا يتذمر، كان يحمل في عينيه رجاءً خافتاً أن يخرج بشيء، أي شيء.
وحين حصل على حفنة أرز وعدس – لا أكثر – التقطها من الأرض، وكأنها كنز، اقترب من أحد الجنود الأميركيين المتطوعين هناك، قبّل يده وقال بلغة مكسورة: ثانكيو.
وبعد دقائق، بينما كان يغادر المكان، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص وقنابل الغاز نحو الحشد المدني، دون سابق إنذار.
سقط أمير برصاصة في صدره، ومات على الفور.
يروي الجندي الأميركي أنتوني أغيلار، الشاهد على المأساة، أنه لم يعرف في حياته وجعاً كالذي رآه في تلك اللحظة قال:
رأيت في غزة الجوع يصرخ، الأطفال يتقاتلون على أكياس دقيق فارغة، الأمهات يفترشن الأرض، لكن أمير.. كان شيئاً آخر، عينيه قالتا كل شيء، وجهه كان يحمل أعواماً من الحصار والموت، رغم أنه لم يعش بعد.
الحدث لم يكن استثنائياً في غزة، فالموت هناك حولته آلة القتل الإسرائيلية أمراً اعتيادياً، لكن أمير جعل للموت وجهاً، وجعل من الجريمة رواية موجعة يصعب نسيانها.
أثار مقتل أمير عاصفة من الغضب على منصات التواصل.
قالوا إن ما جرى جريمة مكتملة الأركان، ليس فقط لأنه طفل قتل برصاصة، بل لأنه طفل كان يشكر قاتله قبل أن يقتل.
واعتبر نشطاء أن مركز المساعدات الذي وعد فيه أمير بحياة، كان مصيدة موت.
وأن صورته، وهو يقبل يد الجندي بعد حفنة أرز، تختصر ما يفعل بأهل غزة من إذلال وتجويع وقتل بدم بارد.
وتساءل أحدهم:
كم أميراً مات؟ وكم طفلاً ذُل قبل موته؟
آخر كتب:
كل ما فعله أنه جاع، وسار، وشكر.. ثم قتل.
وطالب ناشطون بأن تروى هذه القصة في كل مكان، أن تُترجم لكل لغات العالم، أن يعرف العالم أن الأطفال في غزة لا يموتون فقط، بل يغتالون وهم يبتسمون.
قصة أمير ليست مجرد شهادة، إنها مرآة لكل طفل ينام على صوت القصف، ويستيقظ على رائحة الموت.
لقد قتل أمير، لا لأنه يشكّل تهديداً، ولا لأنه يحمل سلاحاً، بل لأنه كان جائعاً فقط.
قتل برصاصة خرجت من بندقية جندي إسرائيلي، بلا تردد، بلا رحمة، بلا حتى نظرة تردد في وجه طفل يهم بالمغادرة.
تلك الرصاصة لم تقتل أمير وحده، بل اغتالت كل ما تبقى من إنسانية في قلوب العالم.
إنّ وحشية الجنود الإسرائيليين لا تكمن فقط في الضغط على الزناد، بل في التجرد التام من المشاعر أمام دموع الأطفال، وتحويل مراكز الإغاثة إلى مصائد موت جماعي.
هكذا ترتكب الجرائم في وضح النهار، وتدفن الأدلة في أجساد صغار لم يعرفوا من العالم سوى الجوع.. والرصاص.