حرب اليمن على الأبواب: ماذا تخطط له الرياض؟

اليمن الجديد نيوز| تقارير| خاص|
شهدت الرياض خلال الساعات الماضية سلسلة تحركات عسكرية ودبلوماسية متسارعة، وضعتها في بؤرة الاهتمام الإقليمي والدولي.
فبينما تواصل المنطقة الغليان بفعل الحرب الإسرائيلية على غزة والتصعيد مع صنعاء، بدا أن السعودية تتحرك على عدة مسارات متوازية تحمل رسائل أبعد من ظاهرها.
تعاون دفاعي مكثف مع واشنطن
في قلب هذه التحركات، برز لقاء وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان مع قائد القيادة المركزية الأمريكية الجديد، الأدميرال براد كوبر.
اللقاء لم يكن بروتوكولياً بقدر ما عكس حجم التنسيق الدفاعي المتصاعد بين الجانبين.
كوبر الذي اختار الرياض المحطة الثانية له بعد زيارته إسرائيل في جولته الإقليمية، لم يخف أن الهدف الأساس يتمثل في مواجهة تهديدات الطائرات المسيرة، في إشارة واضحة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم قوات صنعاء.
زيارة كوبر لمركز “ريد ساندز” جاءت لتتوج الإعلان عن أكبر تمرين حي بالذخيرة الحية في الشرق الأوسط لمواجهة الأنظمة الجوية غير المأهولة، وهو تمرين بحسب الإعلام السعودي جمع قدرات أمريكية وسعودية وصناعية في اختبار أنظمة متطورة للكشف والتتبع والاعتراض، بما يشير إلى أن المعركة المقبلة قد تكون في الجو أكثر من أي وقت مضى.
شراكة أمنية بحرية تستهدف اليمن
بالتوازي، احتضنت الرياض مؤتمر “شراكة الأمن البحري اليمني” بمشاركة أكثر من 40 دولة، حيث أعلنت السعودية عن تقديم دعم مباشر بقيمة 4 ملايين دولار لخفر السواحل التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
هذا الدعم، الذي ترافق مع مساهمات أوروبية وبريطانية، وصف أمريكياً بأنه موجه بشكل أساسي لمواجهة أنشطة قوات صنعاء وإعاقة الشحنات المتجهة إلى موانئ الحديدة.
تزامن المؤتمر مع غارات إسرائيلية عنيفة على ميناء الحديدة، ما جعل كثيراً من المراقبين يربطون بين المشهدين، معتبرين أن الخطوات السعودية تصب في النهاية في خدمة الاستراتيجية الأمريكية ـ الإسرائيلية للضغط على صنعاء.
تحالف دفاعي جديد مع باكستان
إلى جانب المسار الأمريكي، عززت السعودية التقارب مع باكستان عبر توقيع اتفاقية “الدفاع الاستراتيجي المشترك” بين ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء شهباز شريف.
الاتفاقية التي وصفها الإعلام السعودي بالتاريخية، قد لا تعكس فقط رغبة الرياض في تنويع مصادر الدعم العسكري، بل قد تكون جزءاً من الاستعدادات لاحتمال عودة المواجهة العسكرية مع صنعاء، خصوصاً بعد أن كانت إسلام آباد، قد رفضت قبل سنوات نشر قوات على الحدود السعودية ـ اليمنية في ظل قيادة رئيس الوزراء عمران خان، الذي أحرج الرياض حينها بتصريحه أن الجيش الباكستاني “ليس للإيجار”، وذلك بعد طلب السعودية نشر جنود باكستانيين على الحدود مع اليمن أثناء احتدام المواجهات العسكرية على خلفية حرب التحالف الذي كانت تقوده ضد حكومة صنعاء.
اليوم، يبدو أن باكستان عادت إلى المعادلة الدفاعية السعودية، ما يشي بتحول في مواقفها يتماشى مع الرغبة السعودية والسياق الإقليمي المضطرب، خصوصاً بعد الغارات الإسرائيلية على الدوحة.
قراءة في الرسائل والأبعاد
هذه الخطوات المتتابعة تحمل عدة أبعاد:
على المستوى الأمني تعزيز المنظومات الدفاعية ضد الطائرات المسيرة والصواريخ يأتي في سياق تصاعد هجمات صنعاء على العمق الإسرائيلي، وهو ما تعتبره الرياض تهديداً مباشراً لها قبل تل أبيب والتوازن الإقليمي.
إضافة إلى الانخراط في تحالف أمني لمراقبة السواحل اليمنية، بما يشير إلى رغبة سعودية في إعادة الإمساك بخيوط الملف اليمني بعد سنوات من التراجع، وضمان بقاء دعم المجتمع الدولي لخطواتها في اليمن، وتحويله إلى ورقة توازن في علاقاتها مع القوى العظمى من واشنطن إلى بكين وموسكو، إلى جانب امتلاكها ورقة مساومة تجاه إسرائيل للحصول على بعض التنازلات فيما يخص القضية الفلسطينية، في محاولة لاستعادة نفوذها في الأوساط العربية الذي فقدته نتيجة موقفها من الحرب على غزة، على أن يبقى السقف ـ كما هو متعارف عليه ـ ضمان أمن إسرائيل.
على المستوى السياسي، فإن توقيع اتفاقية الدفاع مع باكستان يوجه رسالة مفادها أن السعودية لا تعتزم الاكتفاء بالاعتماد على واشنطن وحدها، بل تسعى إلى بناء شبكة أوسع من التحالفات.
أما على المستوى الإقليمي، فإن تزامن هذه التحركات مع الغارات الإسرائيلية على الحديدة يكشف عن تقاطع سعودي ـ إسرائيلي غير معلن، يعكس خشية تل أبيب من استنزافها المستمر في البحر الأحمر والداخل، مقابل مخاوف الرياض من الوقوع في المأزق ذاته.
تبدو السعودية في سباق مع الزمن لترتيب أوراقها الدفاعية والبحرية والإقليمية.
وبينما تؤكد الرياض أنها تبني شراكات تهدف إلى حماية أمنها واستقرار المنطقة، يقرأ مراقبون هذه التحركات باعتبارها جزءاً من استراتيجية أوسع تصب في خدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية في مواجهة صنعاء وطهران، وهو ما قد يضع السعودية أمام فاتورة باهظة يصعب عليها تحملها إذا ما انزلقت مجدداً نحو إشعال الداخل اليمني عسكرياً.
في المقابل، فإن استقرار اليمن وهدوء جبهاته سيمنح الرياض مساحة أوسع من حرية الحركة الإقليمية.
وفي ظل هذا المسار المتسارع، يظل السؤال قائماً: هل تمهد هذه التحركات لتصعيد جديد في اليمن، وتجازف السعودية بارتكاب “خطأ العمر” عبر تفجير البركان الذي حذر منه عميد الصحافة المصرية الراحل محمد حسنين هيكل، باعتباره قادراً على جرف المنطقة بأسرها؟