الشرق الأوسط على مفترق طرق: لماذا تتأهب إيران؟ وهل يدفع العرب الثمن؟

اليمن الجديد نيوز| مقالات| *د.شذى صخر
تشهد منطقة الشرق الأوسط في الفترة الحالية حالة متصاعدة من التوتر العسكري والسياسي، قد تكون الأكثر خطورة منذ سنوات، وسط مؤشرات على أن الولايات المتحدة قد تتجه إلى توجيه ضربات متزامنة ضد إيران وحلفائها في العراق واليمن ولبنان، وهو ما يزيد من تعقيد المعادلة العسكرية والدبلوماسية في المنطقة.
الاستعدادات الداخلية في إيران تشير إلى إدراك القيادة لطبيعة التهديد المحتمل، فهناك مؤشرات على أن السلطات الإيرانية تقوم بتعزيز المخزونات الغذائية وتأمين الملاجئ، أما على المستوى العسكري، فإن الحرس الثوري الإيراني يواصل نقل الصواريخ الباليستية ووحدات الطائرات المسيرة إلى مواقع متحركة يصعب رصدها، مع تكثيف عمليات التمويه للحفاظ على ترسانتها بعيدا عن الضربات الجوية المحتملة، ويتم تعزيز الجهوزية للرد السريع من خلال ضرب القواعد الأمريكية في المنطقة أو استهداف مصالح إسرائيلية، حيث تمتلك ايران ترسانة صاروخية بعيدة المدى، وأعلنت مرارا عبر السنوات الماضية امتلاكها صواريخ تفوق مدتها 2000 كيلومتر، ما يسمح لها بالوصول إلى إسرائيل والقواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ورغم الجدل حول دقة هذه الصواريخ وفاعليتها ضد أنظمة الدفاع الحديثة، كما أن تطوير الطائرات المسيرة يزيد من قدرة إيران على شن هجمات متنوعة ومعقدة، وقد تكون امتلكت رؤوس نووية؛ وهو ما يجعل أي مواجه مع طهران محفوفة بالمخاطر، هذا النهج يعكس فهم طهران بأن أي صراع محتمل سيكون متعدد الأبعاد ويجمع بين الحرب التقليدية والهجمات السيبرانية والضغط على خطوط الطاقة والملاحة البحرية في مضيق هرمز وباب المندب.
في المقابل، إسرائيل تستعد لأي مواجهة محتملة من خلال تعزيز منظوماتها الدفاعية، وأبرزها إدخال نظام الليزر الدفاعي المعروف باسم Iron Beam، وهو نظام مكمل للقبة الحديدية ويعتمد على أشعة الليزر لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيرة، بكلفة أقل مقارنة بالصواريخ الاعتراضية التقليدية، هذا النظام يتيح لإسرائيل إمكانية التصدي لأعداد كبيرة من الهجمات الإيرانية المحتملة، خاصة إذا كانت مكثفة ومتزامنة، كما تعد هذه القدرات جزءا من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى ربط مواجهة إيران بإعادة صياغة الوضع في غزة والضفة الغربية، إذ قد تستخدم تل أبيب أي حرب مع طهران كفرصة لتصفية حلفاء إيران في المنطقة، بما في ذلك حزب الله وحماس، بهدف فرض واقع جديد على قطاع غزة وإضعاف النفوذ الإيراني فيه، حيث يصبح هذا التصعيد أداة لإعادة رسم خريطة القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
من الزاوية العربية، أي حرب واسعة ستجعل الدول العربية في دائرة الخطر المباشر، خصوصا دول الخليج التي تحتضن قواعد أمريكية رئيسية مثل قاعدة العديد في قطر، والتي تعد أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط وتستوعب أكثر من عشرة آلاف جندي، إلى جانب مراكز القيادة الاستراتيجية والاتصالات، والمعسكرات في الكويت مثل معسكر عريفجان، وقاعدة الظفرة في الإمارات، والأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، جميعها تشكل أهدافا محتملة لأي رد إيراني، ما يضع هذه الدول في موقف هش بين استضافة القوات الأمريكية وحماية مصالحها الوطنية، أما العراق ولبنان واليمن، فستكون ساحات مفتوحة للعمليات بسبب وجود حلفاء أقوياء لإيران، ما يزيد من حجم الكارثة الإنسانية المحتملة، بينما الأردن ومصر ستواجه تحديات أمنية وسيادية لحماية حدودها، وتداعيات كبيرة من الناحية الاقتصادية وعدم الاستقرار الإقليمي.
التحرك الروسي الأخير بنشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد – بولندا كأقرب منطقة حدودية في حلف الناتو، يضع بعدا آخر على المعادلة، هذا التحرك قد يوجد سيناريو حيث تتقاطع مصالح أوكرانيا والشرق الأوسط والأمن الأوروبي في آن واحد. من الناحية العملية، هذا يجعل احتمالات التشابك بين ساحات القتال أكبر ويزيد من خطورة أي خطوة خاطئة قد تثير رد فعل متعدد الجبهات؛ من الناحية الاستراتيجية، موسكو ترى أن أي انشغال أمريكي في الخليج سيقلل من قدرتها على التركيز على مواجهة روسيا في أوروبا الشرقية، لكنها في الوقت نفسه حريصة على عدم انهيار النظام الإيراني الحالي، لأنه شريك مهم في مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي، ويضمن لها مصالح استراتيجية في الطاقة والأسواق.
تمثل الصين لاعب آخر له مصالح استراتيجية واسعة في المنطقة، وتراقب عن كثب أي تصعيد محتمل بين الولايات المتحدة وإيران؛ بالنسبة لبكين، فإن حرب واسعة في الشرق الأوسط قد توفر فرصة لتشتيت انتباه واشنطن والغرب، مما يقلل من القدرة الأمريكية على الرد على أي تحرك صيني محتمل في بحر الصين الجنوبي أو تجاه تايوان.، الصين قد تسعى لاستغلال هذه الأزمة دبلوماسياً واقتصادياً أكثر من اللجوء إلى العمل العسكري المباشر، من خلال تعزيز علاقاتها مع إيران وتأمين إمدادات الطاقة، والاستفادة من تقلبات السوق العالمية لمصالحها الاقتصادية، مع محاولة الحفاظ على مسارها الاستراتيجي دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
نقاط الانفجار الحقيقية تشمل طبيعة الأهداف المستهدفة ودرجة الرد الإيراني، ومستوى تهديد الملاحة في المضائق الحيوية، وحجم المشاركة الإسرائيلية واستخدام قدراتها الدفاعية والهجومية، ورد فعل القوى الكبرى مثل روسيا والصين إذا تطور الدعم إلى عسكري أو لوجستي مباشر، وأخيرا أي أخطاء عرضية مثل إسقاط طائرة مدنية أو ضربة خاطئة في دولة ثالثة أو التداخل بين هذه العوامل يجعل أي حساب خاطئ قادر على تحويل النزاع من مواجهة محدودة إلى صراع إقليمي وربما عالمي.
المؤشرات العملية التي يجب مراقبتها في المرحلة الراهنة لا يقتصر على تحركات الصواريخ والطائرات أو المناورات العسكرية التقليدية، بل يمتد ليشمل الأبعاد غير العسكرية التي تعكس جدية الأطراف في الاستعداد لمواجهة واسعة؛ مثل متابعة كيفية إدارة القنوات الدبلوماسية ووتيرة اللقاءات الطارئة بين القوى الكبرى والإقليمية، ورصد الاستعدادات الداخلية مثل تجهيز المستشفيات والمراكز الطبية والملاجئ وإعداد المدن لاحتمال دخولها في وضع الطوارئ.
وكذلك، مراقبة كل من مضيق هرمز وباب المندب، يمثل عاملاً محورياً في تحديد اتجاه الأزمة، إذ أن أي محاولة لإغلاق أو تعطيل هذه الممرات البحرية ستشكل نقطة تحول استراتيجية تدفع بالأزمة نحو انفجار أكبر يتجاوز الإطار الإقليمي ليأخذ بعداً عالمياً.
* كاتبة أردنية