“بروكينجز”: الحوثيون ليسوا وكلاء لإيران ويعززون قدراتهم العسكرية بشكل مستقل عن طهران
اليمن الجديد نيوز:
أكد معهد “بروكينجز” الأمريكي أن الحوثيين ليسوا وكلاء لإيران، على الرغم من استفادتهم من الدعم الإيراني، موضحاً أن طهران تفتقر إلى السيطرة الفعلية على سلوك الحوثيين، الذين يتخذون قرارات بشكل مستقل وغالباً ما يتصرفون بطرق تتعارض مع مصالح إيران، كما يعكس تطور قدراتهم العسكرية، مثل الهجمات بالطائرات بدون طيار والصواريخ، استقلاليتهم الفعلية. وحذر المعهد من أن تصنيف الحوثيين كـ “وكلاء” لإيران يقوض الجهود المبذولة للتصدي لتهديدهم بشكل فعال، وينبغي أن تركز الحلول بشكل أكبر على الديناميات الداخلية في اليمن بدلاً من التركيز فقط على التدخل الإيراني.
وفي تقريره الذي حمل عنوان “خطورة وصف الحوثيين بالوكيل الإيراني“، قال المعهد: “منذ أن بدأ الحوثيون هجماتهم البحرية، قامت وسائل الإعلام والبيانات الرسمية بتصنيفهم كـ “وكلاء” لإيران، ولكن هذا يقلل من تهديد الحوثيين ويشوش على الحل المناسب له”. وأضاف التقرير: “في الحقيقة، الحوثيون ليسوا وكيلاً لإيران، على الرغم من استفادتهم من الدعم الإيراني. التعريفات الدقيقة لمصطلح “وكيل” تتطلب أن يكون للراعي وسيلة للتحكم في الوكيل، وهو ما يميز الوكيل عن الشريك أو الحليف. ولكن إيران تفتقر إلى السيطرة على سلوك الحوثيين، والحوثيون لا يتصرفون بشكل أساسي نيابةً عن إيران. وهذا مهم لأن الحوثيين أثبتوا أنهم في كثير من الأحيان أكثر عدم قابلية للتنبؤ وعدوانية من داعميهم الإيرانيين”.
كما يشير التقرير إلى أن الحوثيين “لا يمثلون جزءاً من نظام وكيل مركزي، بل هم جزء من شبكة متزايدة التعقيد تتيح لهم العمل مباشرةً مع أكثر من عشرة مجموعات أخرى لتبادل الخبرات، وتنسيق الأنشطة، وحتى التعاون في الهجمات المشتركة، هذه الشبكة تسهم في انتشار الفوضى بشكل يتجاوز ما يمكن لإيران تنظيمه بفعالية، مما يعني أن المحاولات للتعامل مع تهديد الحوثيين من خلال الضغط على إيران أو التفاعل معها محكوم عليها بالفشل”.
وأشار التقرير أيضاً إلى أنه “بعد أن قتلت طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين مواطناً إسرائيلياً وأصابت عدة أشخاص آخرين في تل أبيب في 19 يوليو، أعلن الحوثيون سريعاً أن إيران لم تعلم بالهجوم إلا بعد وقوعه، في محاولة لتأكيد استقلالهم. لقد أثبت الحوثيون باستمرار أنهم يحتفظون بالسلطة الوحيدة على عملية صنع القرار”.
وأضاف التقرير: “في بعض الأحيان، شمل ذلك اتخاذ إجراءات تتعارض مع المصالح الإيرانية، كما فعلوا عندما أعلنوا وقف إطلاق النار من جانب واحد مع المملكة العربية السعودية في عام 2019، حتى في الوقت الذي كانت فيه إيران تسعى إلى استخدام الحوثيين لتصعيد التوترات في المنطقة”.
كما ذكر التقرير: “سعى الحوثيون إلى تقليل اعتمادهم على الأسلحة الإيرانية من خلال تأمين أجزاء حيوية من الأسلحة من الصين، وتطوير استراتيجيات تمويل مستقلة، بالإضافة إلى السعي للحصول على دعم عسكري من روسيا. وفي هذا السياق، قاموا أيضاً بتحسين قدرتهم على تصنيع الأسلحة محلياً في اليمن وصقل خبراتهم في الأسلحة الجديدة”.
وأضاف التقرير: “وقد ساهمت هذه التطورات في اختبارهم الفعلي في المعركة، وهو ما لم تشهده إيران. وخلال الأشهر القليلة الماضية، قاموا بشكل سريع بتطوير استخدامهم للسفن السطحية غير المأهولة، مما أدى إلى غرق سفينة فحم يونانية في يونيو”.
وأوضح التقرير أن “استقلال الحوثيين عن إيران يعد أمراً جوهرياً، حيث يجعلهم أكثر استعداداً للتصعيد مقارنة بإيران”. وأكد أن “الحوثيين أقل تأثراً بالضغوط الأمريكية والدولية، مما يمنحهم القدرة على تحمل مخاطر أكبر”.
وأشار التقرير إلى أنه “بعد سنوات من الحملة الجوية التي تقودها السعودية، أصبح الحوثيون معتادين على حماية إمداداتهم من الأسلحة من الضربات الجوية، وهو ما جعل الضربات الأمريكية والبريطانية الأخيرة غير فعالة في تقويض قدراتهم الهجومية بشكل كبير”.
وأضاف التقرير: “علاوة على ذلك، فإن الحوثيين أقل تعرضاً للعقوبات الدولية، حيث يعملون بشكل رئيسي خارج النظام المالي الدولي. في حين أن إيران تواجه تحديات اقتصادية ونزاعات داخلية نتيجة للعقوبات، فإن اليمنيين، من جانبهم، يعيشون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، مما جعلهم أكثر تأقلماً مع الحرمان الاقتصادي”.
وأشار التقرير إلى أن “الصراع في اليمن أصبح وضعاً طبيعياً، وهو ما يختلف عن الوضع في إيران. قدم الحوثيون أنفسهم كمدافعين عن اليمن ضد العدوان الخارجي، وهي رواية تعتمد على استمرار الحرب لسنوات، كان هذا العدوان يأتي من التحالف الذي تقوده السعودية، ولكن في هذا العام، توسعت الرواية لتشمل الولايات المتحدة، وبعد 20 يناير، انضمت إسرائيل، التي تعتبر العدو الأكثر إلحاحاً للحوثيين ومؤيديهم، إلى المعركة”.
وأضاف التقرير: “بهذه الطريقة، فإن الضربات الانتقامية التي شنتها إسرائيل على اليمن في يوليو ستعزز بشكل كبير من عزيمة الحوثيين، مما يحفزهم على الاستمرار في الصراع ضد إسرائيل وربما توسيعه حتى بعد وقف إطلاق النار في غزة”.
وأوضح التقرير أن “التركيز على إيران في تحليل هجمات الحوثيين يعيق فهم طبيعة الشبكة المعقدة التي تربطهم بالجماعات الأخرى المدعومة من إيران”. وأشار إلى أن “الحوثيين، من خلال تعاونهم المباشر مع العديد من هذه الجماعات، يشكلون تهديداً أكبر وأكثر انتشاراً، وهو تهديد قد يشمل إيران أو لا يشملها”.
وفي هذا السياق، أضاف التقرير أن “الحوثيين أعلنوا في يونيو مسؤوليتهم عن هجوم مشترك مع المقاومة الإسلامية في العراق على ميناء حيفا الإسرائيلي”. وبيّن التقرير أن “هذه الهجمات المنسقة من عدة اتجاهات يمكن أن تصبح أكثر تكراراً، مما يعقد الجهود الدفاعية”. وأكد أيضاً أن تعاون الحوثيين قد يمتد إلى ما بعد الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بتأثير الهجمات على قطاع الشحن، أكد التقرير أن هجمات الحوثيين منعت الشركات الكبرى من الإبحار عبر البحر الأحمر، مما أدى إلى التحويل إلى طرق أطول وأكثر تكلفة، مع تداعيات كبيرة على الصناعة. وأشار إلى أن تكاليف شحن الحاويات زادت بمقدار أربعة أضعاف تقريباً منذ بدء الهجمات، وفقاً لمؤشر Drewery World Container Index.
وتابع التقرير مشيراً إلى أن “هذه الشبكة المترابطة تؤدي إلى انتشار أسرع للأسلحة والخبرات. وقد استغل الحوثيون سنوات الحرب لصقل خبراتهم وتحسين وتطوير مهاراتهم وتجربة التعديلات على الأسلحة، مما أتاح لهم إرسال طائرات بدون طيار لمسافات تتجاوز 1600 ميل، وإغراق السفن باستخدام قوارب غير مأهولة”.
واستطرد التقرير موضحاً أن “الانخراط المباشر للحوثيين مع مجموعات مثل حزب الله، الذي واجه معارك مشابهة مع جيرانه الأقوى، كان له دور كبير في تطورهم. وفي الوقت الحالي، قد ينقل الحوثيون هذه الخبرات إلى مجموعات أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا، مما يزيد من التهديد الإقليمي بشكل كبير”.
وأشار التقرير قائلاً: “لقد سعت الدول مراراً إلى حل تهديد الحوثيين بالضغط على إيران، بناءً على فرضية أن إيران تسيطر عليهم أو يمكنها التأثير على سلوكهم بشكل جذري. إلا أن جهود الحوثيين لتقليل اعتمادهم على إيران، إلى جانب الطبيعة الواسعة لشبكة الجماعات المدعومة من إيران، تشير إلى أنهم سيستمرون في نشاطهم حتى في حال توقف الدعم الإيراني”.
وأوضح التقرير أن “اتفاق الانفراج الذي أبرمته المملكة العربية السعودية مع إيران في مارس 2023 يعكس خللاً في هذا النهج. وعلى الرغم من الآمال بأن يسهم الاتفاق في حل الصراع اليمني، لم يتحقق هذا الهدف”.
وأضاف التقرير: “كان تدخل الصين في الوساطة بالاتفاق قد تزامن مع عام من الهدنة بوساطة الأمم المتحدة، التي ساعدت في تقليص هجمات الحوثيين على السعودية. إلا أن الاتفاق مع اليمن، وليس مع إيران، هو ما ساعد السعوديين على خفض التصعيد”.
وأكد التقرير أن “السعوديين أدركوا أن التعامل مع صنعاء هو المفتاح لحل المشكلة، وليس طهران”.
وأضاف التقرير أن “إسرائيل ودول أخرى، التي رأت في الحوثيين جزءاً من التهديد الإيراني، لم تستفد بعد من هذا الدرس، ولا حتى الصين التي تحاول الضغط على طهران لتغيير سلوك الحوثيين في البحر الأحمر”.
وفي الختام، أشار التقرير إلى أنه “لا يوجد حل سهل للتعامل مع تهديد الحوثيين، وأن الحل يتطلب القضاء على قدرتهم على شن هجمات مدمرة، وهو ما لم ينجح فيه التحالف الكبير بقيادة السعودية، إلى جانب الضربات الأمريكية والبريطانية حتى الآن”.