مقالات

من غدر التفاوض إلى قلب المعادلة؟!

اليمن الجديد نيوز| مقالات | *جمال بن ماجد الكندي

ممارسة الخداع الاستراتيجي هي العبارة التي يمكن أن تُقال بعد العدوان السافر من قبل إسرائيل على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

فقد قامت الولايات المتحدة، من خلال رأس هرمها السياسي، بهذا الخداع. وقد تفاجأ العالم بتاريخ 13 يونيو الجاري بهجوم إسرائيلي كبير على إيران، في وقتٍ كانت تُعقد فيه مفاوضات بشأن برنامجها النووي مع الجانب الأمريكي. وكانت الجولات الخمس السابقة إيجابية من الطرفين، مع الاستعدادات لانعقاد الجولة السادسة في مسقط.

فماذا حصل؟ وكيف تم امتصاص الضربة الأولى خلال أقل من 24 ساعة؟ وكيف غيّرت الصواريخ الإيرانية المعادلة العسكرية والسياسية على الأرض. في هذا المقال سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة وتحليل ما حصل وما سيحصل لاحقًا.

تفاجأ الداخل الإيراني والعالم بالعدوان الإسرائيلي قبل جولة مسقط المتفق عليها بيومين.

وهذا ما نُسميه “الخداع الاستراتيجي”، لأن الأمريكي كان يعلم بساعة الصفر، وكانت الاستعدادات قائمة منذ زمن، وهو من أعطى الضوء الأخضر لبدء العدوان في ظل استمرار المفاوضات، والغرض من ذلك هو تحقيق عنصر المفاجأة وإنجاز ما تم التخطيط له بدقة، والذي تمثل في محاولة تغيير النظام الإيراني عبر تحركات من الداخل، وبالطبع بمساعدة الموساد الإسرائيلي.

فقد كان العدوان الإسرائيلي على إيران ذا طابع أمني واستخباراتي في جزء كبير منه، نُفذ عبر خلايا مزروعة داخل إيران منذ أكثر من ثمانية أشهر.

لذلك، فإن 80% من الضربة الأولى التي حدثت في إيران كانت عبارة عن عمليات أمنية بواسطة طيارات مسيرة خرجة من الداخل، ففي فجر الثالث عشر من يونيو، بدأ العدوان الإسرائيلي على إيران بعشرات الطائرات المُسيّرة، التي كانت مهمتها اغتيال القادة السياسيين والعسكريين، وكان على راس القائمة المرشد “آية الله خامنئي”.

أما المرحلة الثانية، فكانت تهدف إلى تصفية 400 شخصية سياسية وعسكرية وإعلامية من الصف الأول للنظام الإيراني، ثم إثارة الفوضى في البلاد وتفعيل خلايا نائمة مناوئة للنظام، مدعومة من الموساد الإسرائيلي، للسيطرة على مفاصل حيوية في الدولة، وإحداث فراغ سلطوي كامل يؤدي إلى إسقاط الدولة من الداخل بدعم لوجستي من مجموعات إيرانية مناوئة للنظام في الشمال، مع وصول أسلحة متطورة وأجهزة اتصال لهذه المجموعات.

فشل المخطط قبل أن تبدأ مرحلته الثانية، بنجاة المرشد الإيراني، رغم وجود ضحايا من القادة العسكريين من الصف الأول في الجيش والحرس الثوري. لذلك، رأينا الرد الإيراني سريعًا، بعد أقل من 24 ساعة، حيث امتصت القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية الصدمة، خاصة مع نجاة المرشد العام للثورة الإيرانية، والذي قام بتعيينات جديدة بدلًا من القادة الذين استُشهدوا في الضربة الأولى.

 بدأت مرحلة جديدة من الرد على العدوان الإسرائيلي، والذي ذكرنا سابقًا أنه كان يعوّل على الجانب الأمني بشكل كبير لتغيير النظام من الداخل. استعادت إيران قدرتها على توجيه الضربات الصاروخية في فترة زمنية قصيرة، بإعلان عملية “الوعد الحق 3″، والتي لا تزال مفاعيلها العسكرية قائمة في بنية الكيان الصهيوني.

وكما يُقال: “رُبَّ ضارةٍ نافعة”، فقد كشف العدوان الإسرائيلي للجهات الأمنية الإيرانية العديد من العملاء في الداخل، سواءً من الإيرانيين أو من الأجانب، والتلفزيون الإيراني يعلن بشكل يوميًا عن شبكات يتم القبض عليها، مع كميات كبيرة من الطائرات المُسيّرة التي كانت مُخططة لاستهداف شخصيات من الصف الأول في إيران.

لقد أدرك الكيان الصهيوني فشل عدوانه على إيران بانتهاء عنصر المفاجأة، وعدم تحقيق أهدافه، فالمخطط لم يكن متعلقًا فقط بالبرنامج النووي الإيراني، أو منع إيران من الوصول إلى التخصيب عالي النسبة عبر ضرب المفاعلات النووية الإيرانية، بل كان الهدف تغيير النظام ذاته، ولهذا كانت الخطة ذات أبعاد أمنية وعسكرية.

البعد الأمني لم يتحقق، والنظام مازال قائمًا، بل إن نسبة التهديد الأمني بدأت تتراجع بفضل تمكّن الجهات الأمنية الإيرانية من تفكيك الخلايا النائمة، وتلاحم الشعب الإيراني بكافة مكوناته السياسية والأثنية مع وحدة البلد ومجابهة العدوان الإسرائيلي. أما عسكريًا فلا تستطيع إسرائيل وحدها القضاء على القدرات النووية الإيرانية أو تحجيم برنامجها، من دون دعم أمريكي مباشر.

هنا بدأت المرحلة الحاسمة من رد العدوان الإسرائيلي. فبعد فشل البعد الأمني في الإطاحة بالنظام الإيراني، بدأت إيران حربها الصاروخية باستهداف العمق الإسرائيلي عبر عملية “الوعد الصادق 3″، وانتقلت المعركة إلى مواجهة تُدار من الجو عبر الصواريخ. فهل تستطيع الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحمّل الخسائر؟

الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية تضرب كامل جغرافيا فلسطين المحتلة لليوم السابع عل التوالي عبر دفعات بلغت 15 دفعة، تحتوي كل دفعة منها على صواريخ متعددة ومتنوعة، يُراعى فيها التدرّج في النوعية والكمية، وقد أصبحت مفاعيل ذلك واضحة على الأرض، من حيث حجم الدمار الغير مسبوق بسبب الصواريخ الإيرانية، باعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية والمشاهدات العينية.

وفي هذا السياق، يذكر الضابط السابق في الجيش الأمريكي “سكوت ريتر” أن إسرائيل، خلال أيام قليلة، خسرت ميناء حيفا، ومصفاة النفط، كما أصبح المطار معطّلًا، والقواعد العسكرية والأمنية تُستهدف بشكل يومي. وأضاف كذلك “أن البنية الاقتصادية تتعرض للاستهداف، وأن “إسرائيل تُضرب بشكل كبير، عسكريًا واقتصاديًا، فلا تصدقوا أنها قوية”.

الحرب الصاروخية بين إيران والكيان الصهيوني لا تستطيع إسرائيل تحمّلها بسبب الفارق الجغرافي بين البلدين؛ فإسرائيل كيان صغير مقارنة بإيران، والضربات الصاروخية تؤثّر عليها بشدة، نظرًا لضعف قدرتها الداخلية على التحمل، وقد ظهر هذا الأمر بعد أيام قليلة من بدء الضربات الصاروخية الإيرانية. في المقابل، فإن إيران الشاسعة جغرافيًا، يكون تأثير الضربات عليها أقل بكثير من تأثيرها على الكيان الصهيوني.

ومن خلال المعطيات الجديدة التي ظهرت على الأرض بعد فشل إسقاط النظام الإيراني من الداخل، تغيّرت المعادلة بفعل الصواريخ الإيرانية، وبدأ الكيان الصهيوني بالصراخ وطلب النجدة من الولايات المتحدة. إلا أن الرئيس الأمريكي لا يزال مترددًا في تقديم الدعم المباشر، كالمشاركة عبر القاذفات الاستراتيجية الأمريكية “B-52” لضرب المفاعلات الإيرانية.

ويُلاحظ هذا التردد في التصريحات المتناقضة والمتغيرة للرئيس الأمريكي، خاصة بعد الضربة الكبيرة التي وجّهتها الصواريخ الإيرانية الثقيلة والفرط صوتية، والتي لم تستطع منظومات الدفاع الأمريكية “ثاد” اعتراضها. وتسببت بدمار كبير في مناطق حساسة من تل أبيب وبئر السبع.

هذه الضربة كانت رسالة إيرانية مباشرة: أي تدخل أمريكي سيقابَل بضرب أمريكا نفسها، في أماكن تمركزها على البحر. وقد راقبت أمريكا كيف أن الصواريخ الإيرانية المتطورة نجحت في تجاوز الدفاعات الجوية الأمريكية والإسرائيلية، وما زالت تحمل المزيد من المفاجآت.

تغيّرت المعادلة، فبعد التهديد الأمريكي بالدخول في الحرب بشكل مباشر، منح الرئيس “ترامب” فرصة لمدة أسبوعين للعمل الدبلوماسي. وهذا الأمر يُنهي مسألة إسقاط النظام، ويؤكد فشل المشروع الإسرائيلي.

العالم، بعد هذا التصريح، بات أمام فرصة لحل مشكلة البرنامج النووي الإيراني بالطرق السلمية، وأغلب الدول تؤيد هذا الخيار. وما قامت به إسرائيل يُعد مغامرة فاشلة، هدفها فقط الإبقاء على شخصية نرجسية في الحكم، ولو على حساب الداخل الإسرائيلي، الذي بدأ يرفض هذا النهج.

ختاماً لقد أثبتت الأحداث أن الحسابات الخاطئة والخداع الاستراتيجي لا يمكن أن يصمد أمام إرادة الشعوب وقدرتها على الرد. الصواريخ الإيرانية لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت إعلانًا عن تحول جديد في موازين الردع. وما بين فشل العدوان وفرصة التهدئة، تبقى الكلمة الأخيرة مرهونة بحكمة القرار السياسي، والأيام القادمة حبلى بالأحداث، ونرجو أن نشهد اتفاقاً سياسياً ينهي هذه الأزمة.

كاتب وناشط عُماني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى