مقالات

الربيع العربي السوري: الشرع إلى القدس ليس فاتحاً بل للاعتراف بالكيان اللقيط!

اليمن الجديد نيوز| مقالات| *نجاح محمد علي

تشير أحدث التقارير الإعلامية إلى وجود تحرك تجاه اتفاق تطبيعي شامل بين دمشق والكيان الصهيوني اللقيط بدعم من عواصم غربية وعربية، مرتبط بالمسار الأمريكي- السعودي، ويهدف إلى إدارة مشتركة لمناطق استراتيجية مثل هضبة الجولان.

ويتضمن هذا الاتفاق، بحسب التصريحات الأخيرة، شروطاً تقضي بالعمل معاً على وقف المقاومة من داخل سوريا، وفي لبنان أيضاً، وتمتين العلاقات مع الأطراف التي طالما كانت بالضد من محور المقاومة، وهو ما عبر عنه “ترامب” حين شجع الرئيس الجديد أحمد الشرع على الانضمام إلى “اتفاقات إبراهيم” وانهاء ما أسماهم “الإرهابيين الأجانب” من سوريا.

هذا المشهد لا يمكن فصله عن الدور الفاعل لإيران، والفصائل العراقية، وحزب الله، الذين أبانوا أثناء “الربيع العربي” في سوريا، عن وعي واستراتيجية واضحة في الدفاع عن محور المقاومة، في مواجهة مشروع تحويل سوريا إلى منصة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

1. الرد على “الربيع العربي”: دفاع بلا مقابل

عندما بدأت الدعوات لتغيير النظام السوري، لم تكن إيران وحلفاؤها محورها. بل كانت هذه الدعوات حلقة ضمن منظومة مصممة لـ:

• إنهاء دعم المقاومة الفلسطينية عبر تفكيك الدولة السورية المركزية،

• ترتيب المنطقة لخدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يركز على تطبيع شامل وعلني مع الكيان، وباليد الطولى له.

في المقابل، كانت إيران، وقود المقاومة الحقيقي. دعمت مالياً وعسكرياً الفصائل في لبنان، العراق، وفلسطين، واستقدمت خبرائها إلى سوريا، وهو ما دفع القيادة الأمريكية ومؤسسات استخباراتية للضغط على إيران عبر عقوبات وتهديدات واغتيالات استهدفت العلماء العسكريين وحتى نِوى القيادة.
لا غرو أن تهديداً باغتيال آية الله الخامنئي ظهر، ليس لأنه تهديد ثانوي، بل لأنه ردّ فعل مباشر على وقوفه في خندق التحرير.

2. أحمد الشرع في يافا: أولى ثمار تطبيع “الربيع”

في لقاء تأريخيّ خلال قمة الرياض (مايو 2025)، ظهر ترامب وهو يلوّح للشرع بـ”اتفاق إبراهيم”، بحضور بن سلمان، مما يشير إلى ضوء أخضر لخطوة التطبيع مع الكيان الصهيوني.

تجلى الأمر بشكل أكثر وضوحاً لدى الحديث عن عدو مشترك للكيان الصهيوني وسوريا ما بعد الأسد، وهي إيران، واستخدام الكيان الصهيوني الأجواء السورية في العدوان الأخير على إيران.

تجلى الأمر أيضاً بشكل أكثر وضوحاً لدى الحديث عن إعادة تفعيل تبادل “رحلات سياحية” دينية بين سوريا، وفلسطين المحتلة. هذه الخطوة، رغم تبدو دينية، إلا أنها تفتح بوابة للتحرك السياحي والسياسي نحو تثبيت ركائز أساسية للكيان الصهيوني، ما يُعدّ الاختبار الحقيقي الذي يمهد لشرعية تطبيع كامل في المستقبل.

3. مخاطر “التبادل الديني السياحي”

هذا النوع من التبادل ليس بريئاً كما يبدو:

• يسمح للمواطنين بالتنقل عبر الجولان المحتل، دون الاعتراض كمجرّد سياحة، ثم يصبح مفتاحًا لإقامة علاقات رسمية عبر استعمال سلطة التنقل.

• يُستخدَم مبرراً يقول: “إنه تقريب للديانات”، بينما هو تمهيد لتطبيع اقتصادي وسياسي.

4. إيران والفصائل: من وقف إلى جانب سوريا؟

متى انطفأ صوت النظام الرسمي بسبب الحرب، بدت إيران، وحزب الله، والفصائل العراقية بوجودها على الأرض. دعموا لوجستياً، وميدانياً، ودفاعياً.
قادت المعارك ضد الجماعات الإرهابية، بضغوط من الداخل والخارج، لوقف الانقضاض على سوريا وفتحها أفضلية للتطبيع مع الكيان.

إن شكّل هؤلاء بدعواتهم “النأي بالنفس” دليلاً على حيادية، فإنه أدخلهم في مشروع اختراق المنطقة نحو “إسرائيل الكبرى”، لأن أي موقف حيادي عمّا يجري داخل سوريا يشبه تواطؤاً عمليًا مع اتفاق التطبيع المعلن والمُروّج.

“النأي بالنفس”… والتواطؤ مع مشروع “إسرائيل الكبرى”

ليس من باب التجني ولا المبالغة القول إن جميع من وقف ضد الدولة السورية، وساهم في دعم ما سُمّي بـ”الثورة السورية” – مهما كانت مبرراته أو دوافعه الظاهرية – كان عملياً جزءاً من مشروع جيوسياسي دولي هدفه الرئيسي إخراج سوريا من محور المقاومة وتحويلها إلى مفصل مركزي في خارطة “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يقوده المشروع الصهيوني من خلف ستار أمريكي–خليجي.

فالساحة السورية لم تكن ساحة داخلية معزولة، بل كانت ومنذ البداية ساحة اشتباك إقليمي ودولي، قُدّمت فيها شعارات الحرية والكرامة كستار، لكن تحتها كانت تُدار معركة استراتيجية لكسر ظهر محور المقاومة من بوابته السورية. ولذلك، فإن الوقوف ضد سوريا لم يكن حياداً، بل انخراطاً – بوعي أو بدونه – في مشروع تصفية فلسطين والمقاومة.

وليس من المستغرب أن تتماهى بعض الجهات العراقية واللبنانية مع هذا المشروع، تحت شعار “النأي بالنفس”، وهو في ظاهره موقف تجنّب الصراع، لكنه في جوهره تخلي عن المعركة المركزية، وفتح ثغرة ناعمة لتحويل سوريا إلى بلد محايد أو حتى متحالف مع محور التطبيع. هكذا تحولت بعض الشعارات “الوطنية” إلى أدوات لتفكيك الجبهة، دون إطلاق رصاصة واحدة.

هل يتعارض ذلك مع قانون تجريم التطبيع في العراق؟

قد يقول قائل: كيف تتهمون أطرافاً عراقية بأنها كانت ضمن مشروع اختراق المنطقة، بينما هي نفسها من شرّعت قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ أليس هذا القانون – بحد ذاته – دليلاً على رفض كل أشكال العلاقات مع العدو؟

الجواب المباشر: القانون نصاً موجود، لكنه لم يُفعّل عملياً، لا من حيث الملاحقات، ولا من حيث الرقابة الفعلية على العلاقات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، ولا حتى الإعلامية.
لكن الأدهى من ذلك أن في متن هذا القانون ذاته، ثغرة خطيرة تمرّرت بمهارة، وهي الفقرة الخاصة بـ”تبادل الزيارات الدينية”.

خطورة تبادل “السياحة الدينية” مع الكيان

قد تبدو الفقرة المتعلقة بتبادل الرحلات الدينية ثانوية، بل إن البعض يراها جسرًا للتقريب الروحي بين الأديان، لكن الحقيقة المرة أن هذه الفقرة تشكل أخطر أبواب التطبيع غير المُعلَن، وذلك لعدة أسباب:

1. شرعنة الدخول إلى الأراضي المحتلة: السماح “رسمياً” بزيارة المراقد الدينية في الأراضي المحتلة، يُفضي إلى الاعتراف الضمني بالسيادة الصهيونية على هذه الأماكن، وهو ما يعني انتهاكًا واضحاً لأي موقف مبدئي ضد الاحتلال.

2. فتح بوابة الاتصال المباشر: عبر هذه الرحلات، يتم تمهيد الأرض لتشكيل علاقات أمنية واستخبارية خفية، بحجة حماية الزائرين أو تنظيم المسارات، مما يُتيح للاحتلال زرع أدواته داخل النسيج العراقي.

3. اختراق الوعي الشعبي والديني: حين يصبح من الطبيعي أن يزور المواطن العراقي أماكن تحت إدارة الاحتلال، فإن ذلك يخلق تطبيعاً وجدانياً ونفسياً يُعيد تشكيل الوعي العام، ويُضعف الرواية الفلسطينية.

4. تبييض صورة الاحتلال لدى شرائح دينية محافظة: من خلال استقبال الزوار العراقيين وتوفير التسهيلات لهم، تسعى سلطات الاحتلال إلى ترويج نفسها كـ”راعٍ للتسامح الديني”، وهو ما يخدم دعاياتها في المحافل الدولية.

5. توظيف الزيارات في برامج إعلامية وسياسية صهيونية: كل زيارة عراقية دينية تُحوّل لاحقاً إلى مادة دعائية في الإعلام العبري لإظهار قبول شعبي عربي وإسلامي بالاحتلال.

الخلاصة: القانون بلا روح لا يحمي البلاد

وجود قانون لتجريم التطبيع لا يكفي ما لم تُلغَ كل الثغرات التي تُشرعن العلاقة تحت مسميات ناعمة كالدين أو الثقافة. والتاريخ أثبت أن التطبيع لا يبدأ باتفاقيات سياسية علنية، بل غالبًا يتسلل عبر نوافذ رمزية ودينية وإعلامية، ثم يتحوّل إلى سياسة أمر واقع.

لذا فإن أخطر ما يمكن أن يُرتكب بحق القضية الفلسطينية والمقاومة اليوم، هو التغاضي عن هذه المسارات الناعمة للتطبيع، أو تبريرها بدواعٍ “وطنية” أو “روحانية”. فالعدو لم يعد ينتظر توقيعًا سياسيًا، بل يكتفي بالصمت والتواطؤ غير المعلن.

والثابت، أن من ساند “ثورة الجولاني” ضد دمشق، وأعطى غطاءً لما حدث باسم الإصلاح، كان يمهّد – عن قصد أو جهل – لتحويل سوريا من جبهة صدّ إلى جسر عبور.

أما الذين تصدوا لهذا المشروع في ميادين دمشق، وحمص، ودير الزور، والبوكمال، فقد كانوا حماة الحصن الأخير في وجه “الشرق الأوسط الجديد”، حيث الكيان الصهيوني هو السيد، وفلسطين هي الذبيحة.

 الختام: فلسطين تتطلع لمن وقف ووقف معها

التأريخ يُكتب بأصحاب المواقف، لا المتنقلين. “من وقف معنا حين غاب الجميع؟” كان سؤال المقاومة. والآن، تُعاد صياغته في السياق السوري:

لن تظل سوريا جزءًا من محور المقاومة، وستتحول إلى جسر للتطبيع.

إيران، والفصائل العراقية، وحزب الله، لم تخشَ مواجهة الإرهاب ولم تخشَ العقوبات أو تهديدات بالإعدام أو الاستهداف الشخصي. كانوا هنا لأنهم عرفوا أن القضية الفلسطينية، وهي بمثابة خطوط التماس الأولى، لا تُرصد بالتسويات، بل تُدافع بالسلاح والقرار والسيادة. فهل يكون قرار دمشق الجديد معولاً يُهرّبها إلى التطبيع، أم معولًا يُرمّم الجبهة ضد المشروع المركزي؟ الزمن حامل الإجابة.

* كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى