انقسام عميق يهدّد التحالف المناهض للحوثيين في اليمن .. تمدد إماراتي يبتلع ما تبقّى من النفوذ السعودي
تحركات الانتقالي تكشف هشاشة المعسكر الموالي للرياض وسقوط مشروع التحالف في اختبار السيطرة جنوباً

اليمن الجديد نيوز | تقارير وتحليلات
تتسارع مؤشرات الانقسام داخل المعسكر المناهض لصنعاء، مع انكشاف هياكل السلطة التي أنشأها التحالف في الجنوب.
فسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، الذراع العسكرية للإمارات، على مواقع نفطية حيوية في حضرموت وأجزاء واسعة من المحافظات الجنوبية، أعادت خلط الأوراق وأظهرت انهيار قدرة الحكومة الموالية للسعودية على الاحتفاظ بأي نفوذ فعلي على الأرض.
وتكشف التطورات الميدانية أن الحكومة التي رعتها الرياض لسنوات باتت عاجزة عن الدفاع حتى عن مقارّها في عدن. هذا الضعف لم يعد سراً، بعدما أكدت مصادر في الانتقالي لوكالة رويترز أن أعضاء الحكومة غادروا عدن دون قرار رسمي، في مشهد يعكس فقدان السيطرة والارتهان الكامل للرياض التي لم تعد قادرة على حماية حلفائها.
هذه الانهيارات المتلاحقة تعزز القراءة القائلة إن التحالف لم ينجح في بناء سلطة يمنية مستقلة، بل خلق منظومة هشة قائمة على الولاءات والمصالح، ما جعلها تنهار بسرعة في أول اختبار حقيقي أمام طموحات أبوظبي وتنافسها مع الرياض.
التمدد الإماراتي ونموذج السيطرة عبر الوكلاء
وفق التقارير الإقليمية والدولية، تتعامل الإمارات مع الجنوب باعتباره منطقة نفوذ مباشر، وهو ما يظهر بوضوح في نمط التحركات العسكرية والسياسية التي يقودها المجلس الانتقالي.
فالتوسع الأخير في حضرموت لم يكن خطوة مفاجئة، بل جاء ضمن سياق بدأ منذ سنوات، شمل بناء قوة عسكرية كبيرة موالية لأبوظبي تتجاوز الـ120 ألف مقاتل.
ويمثل استحواذ الانتقالي على مناطق النفط والموانئ خطوة استراتيجية للإمارات، إذ يتيح لها توسيع مجال نفوذها البحري والبري في واحد من أهم الأقاليم الجيوسياسية في المنطقة.
وهذا النوع من السيطرة لا يعتمد على إدارة مباشرة، بل على تمكين الوكلاء المحليين، وهو النموذج الذي أثبتت الإمارات قدرتها على تطبيقه في عدة دول.
ويرى مراقبون أن أبوظبي نجحت في تحقيق ما لم تستطع الرياض إنجازه طوال سنوات الحرب.
فبينما راهنت السعودية على الحكومة الموالية لها، بنت الإمارات نفوذاً قائماً على القوة المسلحة، ما جعلها اليوم الطرف الأقوى جنوب اليمن، والقادر على فرض الوقائع الجديدة دون مواجهة حقيقية.
سردية الانتقالي ومحاولة تبرير السيطرة
تحاول قيادة المجلس الانتقالي تبرير تحركاتها بتقديمها كجزء من “استعادة الاستقرار” ومحاربة “التهريب والإرهاب”.
إلا أن المعطيات الميدانية تكشف تناقض هذه السردية، فالانتقالي سيطر على مناطق لم يكن للحوثيين فيها أي وجود أو نشاط، كما أن حضرموت كانت من أكثر المحافظات استقراراً قبل دخول قواته.
وتشير صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن المجلس يستخدم خطاباً أمنياً مضخماً لإضفاء شرعية على سيطرته، بينما الحقيقة أن التحرك جاء ضمن صراع نفوذ بين الرياض وأبوظبي على الثروات النفطية في الجنوب.
ولذلك تبدو مبررات المجلس أشبه بمحاولة تغطية لعملية استحواذ عسكرية وسياسية واسعة.
وفي المقابل، يرى محللون أنّ الانتقالي يسعى إلى تثبيت أمر واقع يجعل منه سلطة مستقلة بحكم الأمر الواقع، وهو ما يعزز طموحاته القديمة بالانفصال.
غير أن هذا التوجه قد يقود إلى مزيد من المواجهات الداخلية، خصوصاً مع القوى المحلية التي ترفض الخضوع للمشروع الإماراتي في الجنوب.
قراءة صنعاء: صراع نفوذ خارجي و“احتلال يتفكك من الداخل”
في صنعاء، يُنظر إلى ما يجري جنوباً باعتباره تجلياً واضحاً لانهيار مشروع التحالف.
وتشير قيادات أنصار الله إلى أن الصراع بين السعودية والإمارات بات أعمق من المواجهة مع صنعاء نفسها، وأن الجنوب أصبح ساحة لتصفية الحسابات بين قوتين فشلتا في تحقيق أهدافهما خلال تسع سنوات من الحرب.
وتؤكد صنعاء أن ما يحدث هو إعادة توزيع لمناطق السيطرة بين الاحتلالين السعودي والإماراتي، وأن القوى المحلية المرتبطة بهما ليست سوى أدوات سيتم التخلص منها لاحقاً.
ويرى القيادي محمد البخيتي أن مشهد هروب المسؤولين من عدن وصراع النفوذ في حضرموت يكشف الحقيقة التي حاول التحالف إخفاءها طويلاً: “لا توجد شرعية، بل سلطات تدار من الخارج لخدمة مصالح غير يمنية”.
وتتنامى في الشارع اليمني، شمالاً وجنوباً، قناعة أن التحالف بات يعيش مرحلة تفكك حقيقية، وأن ما تبقى منه لا يتجاوز صراعاً على الغنائم والثروات.
بينما تواصل صنعاء ترسيخ حضورها كقوة موحّدة تمسك بزمام المبادرة، مقابل معسكر مشتت تتنازعه الإمارات والسعودية.
تحالف يتهاوى وشعب يدفع الثمن
تكشف التطورات الحالية أن التحالف الذي تشكل عام 2015 تحت شعار “إعادة الشرعية” بات اليوم في أضعف حالاته.
فالصراع بين أجنحته لم يعد خفياً، بل تجلى بوضوح في تفكك الحكومة التابعة له وانهيار نفوذ الرياض أمام التحرك الإماراتي السريع والواسع.
وبينما تنشغل قوى التحالف في توزيع النفوذ والثروات، يواجه اليمنيون واقعاً قاسياً على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وسط انهيار الخدمات وتراجع الأمن في الجنوب وتفاقم الأزمة الإنسانية في عموم البلاد.
وهو ما يمنح سردية صنعاء مزيداً من القوة، باعتبار ما يحدث نتيجة طبيعية لتدخل خارجي لم يجلب سوى الحرب والانقسام.
ومع استمرار هذا الانقسام، تتجه المؤشرات نحو مزيد من التوتر داخل الجنوب، في وقت تظهر فيه صنعاء كالمستفيد الأكبر من تشتت خصومها، وتقدم نفسها كقوة وحيدة حافظت على تماسكها خلال سنوات الحرب الطويلة، بينما ينهار التحالف الذي جاء لمحاربتها من الداخل قبل أن تهزمه في الميدان.



