التلغراف البريطانية: “مرت حاملة الطائرات الأمريكية ترومان بوقتٍ عصيب”
التلغراف ترصد كلفة المواجهة في البحر الأحمر: خسائر متراكمة وأخطاء تشغيلية تحت ضغط عمليات قوات حكومة صنعاء

اليمن الجديد نيوز | تقارير وتحليلات
كشفت صحيفة التلغراف البريطانية، في تحليل موسّع كتبه ضابط البحرية توم شارب، جانباً من الخسائر والإخفاقات التي مُنيت بها البحرية الأمريكية خلال مواجهتها الأخيرة في البحر الأحمر، في سياق العمليات التي نفذتها قوات حكومة صنعاء دعماً لغزة.
وخلصت الصحيفة إلى أن حاملة الطائرات “يو إس إس هاري إس ترومان” مرّت بـ«وقتٍ عصيب»، خلال فترة قصيرة اتسمت بضغط عملياتي مرتفع وحوادث متتالية ذات كلفة مالية وتشغيلية كبيرة.
التحليل الذي حمل عنوان «الطيران البحري أصعب بكثير مما يبدو عليه في فيلم توب غان»، استعار مفارقة سينمائية ليقارن بين الصورة الدعائية والواقع المعقّد لعمليات حاملات الطائرات، مذكّراً بأن الحوادث لا تأتي فرادى دائماً، إذ علّقت الصحيفة: «يقول البعض إن الأمور السيئة تحدث بثلاثة… لكن يبدو أن البحرية الأمريكية تحدث بأربعة».
أربعة حوادث خلال خمسة أشهر .. صورة مقلقة
بحسب التلغراف، يتناول تقرير حديث أربع حوادث منفصلة تعرّضت لها حاملة الطائرات ترومان خلال خمسة أشهر فقط.
شملت هذه الحوادث إسقاط طائرة نفاثة بنيران صديقة، واصطداماً بسفينة تجارية قرب قناة السويس، ومناورة حادة أدت إلى سقوط طائرة وجرّار من على السطح، ثم فقدان طائرة أخرى من مقدمة الحاملة بسبب انقطاع سلك الإيقاف.
وتشير الصحيفة إلى أن الخسائر التراكمية—من طائرات فُقدت وصواريخ أُطلقت عن طريق الخطأ، إضافة إلى إصلاحات وتحديثات لاحقة—تجاوزت 285 مليون دولار، مع التأكيد على عدم تسجيل وفيات.
إسقاط بنيران صديقة وسط ضغط البحر الأحمر
اعتبر الكاتب أن الحادث الأول هو الأكثر بروزاً، ففي 22 ديسمبر 2024، وأثناء عمل ترومان في البحر الأحمر، وخلال يوم شهد ضربات أمريكية كثيفة ومتواصلة بالتزامن مع الدفاع ضد موجات من هجمات الطائرات المسيّرة، أخطأ الطراد الصاروخي USS Gettysburg في التعرف على طائرتي F/A-18 Super Hornet عائدتين إلى الحاملة، واعتبرهما صاروخين مضادين للسفن.
أطلق الطراد صاروخين من طراز SM-2؛ دمّر أحدهما طائرة بعد أن قفز طاقمها مباشرة، وأخطأ الآخر الطائرة الثانية بصعوبة.
وحدّد التقرير أسباباً متعددة للحادث، بينها ثغرات القيادة، ضعف التدريب، عطل في جهاز “تحديد الصديق أو العدو” تُرك دون إبلاغ وكان غير متصل، تخطيط غير مترابط لمجموعة الضربة، أوامر متضاربة، فجوة رادارية أثناء تغيير المناوبة، وخلل في طائرة الإنذار المبكر E-2D Hawkeye.
وبوصفها سفينة قيادة الدفاع الجوي للمجموعة، حُمّلت Gettysburg مسؤولية شبه كاملة عن الواقعة، التي وُصفت بأنها مثال صارخ على تجاوز طبقات أمان متعددة. وقد أُعفي قائد الطراد لاحقاً من منصبه.
اصطدام قرب بورسعيد .. أخطاء إدارة وملاحة
لم تمضِ سوى أسابيع حتى واجهت ترومان حادثاً آخر. ففي 12 فبراير 2025، وأثناء إبحارها بسرعة 19 عقدة عبر مياه مزدحمة قرب بورسعيد باتجاه قناة السويس، اصطدمت بالسفينة التجارية M/V Besiktas-M، ما تسبب بأضرار هيكلية لبدن الحاملة.
وكشفت التحقيقات—وفق التحليل—عن سلسلة إخفاقات، شملت سوء إدارة البحارة من قبل القائد، ضعف التواصل بين أفراد الطاقم، فشل إرسال إشارات نظام التعريف الآلي AIS، سجلات سطح غير دقيقة، وتخلّي القائد عن واجباته الملاحية في ظل ثقافة «الإنجاز فقط» التي فاقمها التعب.
وأكد الكاتب أن دخول السويس ليلاً مهمة بالغة التعقيد، وأن الإبحار بهذه السرعة لسفينة تزن 100 ألف طن يثير تساؤلات جدّية. وبلغت تكلفة الإصلاحات 685 ألف دولار.
مناورة دفاعية حادة .. وسقوط طائرة بقيمة 36 مليون دولار
في 18 أبريل 2025، وبينما كانت ترومان تتعرض لهجوم في البحر الأحمر، نفّذت انعطافاً حاداً لتحسين وضعها في الدفاع الصاروخي.
أثناء ذلك، كانت طائرة سوبر هورنت تُسحب بجرّار على سطح الطيران، فانزلقت الطائرة والجرّار عبر السطح المائل وسقطا من الجانب. وتمكن بحّاران من القفز في الوقت المناسب والنجاة.
حدّد التقرير أعطالاً رئيسية، بينها خلل في نظام فرامل الطائرة، وتقادم طلاء السطح المانع للانزلاق (لم يُغيّر منذ 2018)، وضعف التنسيق بين برج القيادة وسطح القيادة وحظيرة الطائرات. وقدّرت قيمة الطائرة المفقودة بنحو 36 مليون دولار.
انقطاع سلك الإيقاف .. فقدان طائرة بـ60 مليون دولار
شهد حادث لاحق هبوط طائرة سوبر هورنت بنجاح أولي، حيث أمسك الخطاف بسلك الإيقاف، لكن السلك انقطع بعد أن خفّض السرعة، ما أدى إلى اندفاع الطائرة من مقدمة الحاملة. قفز الطياران في اللحظة المناسبة ونجيا.
وأشار التقرير إلى ضعف الصيانة (بما في ذلك فقدان غسالة داخل آليات مانع التسرب)، وفحوص جودة غير فعّالة، ونقص مزمن في الكوادر والتدريب وضعف القيادة، إضافة إلى أن الحادث وقع بعد 52 يوماً من عمليات طيران متواصلة.
وقدّرت قيمة الطائرة المفقودة بنحو 60 مليون دولار، إلى جانب 207 آلاف دولار لإصلاحات الكابلات والآلات.
ضباب الحرب أم خلل أعمق؟
بعد تجميع الوقائع، يطرح التحليل سؤالاً محورياً: هل تعود هذه الحوادث إلى وتيرة عمليات مرتفعة وضباب حرب، أم أنها تكشف خللاً بنيوياً أعمق؟ ولتأطير الإجابة، يستحضر الكاتب واقعة 2017 حين شهد الأسطول السابع أربع حوادث جسيمة في غرب الهادئ، بينها جنوح واصطدامات أودت بحياة 17 بحاراً.
ويشير إلى أن الأسباب الجذرية في تلك الحالات كانت واحدة: نقص الأفراد، إرهاق العمليات، تدريب غير كافٍ، تآكل مهارات الملاحة، سوء إدارة موارد الجسر، تجاهل قواعد الملاحة الأساسية، تعطل أو تجاهل معدات، وثقافة “أستطيع القيام بذلك” التي تثبط الإبلاغ عن المخاطر.
وقد اعترفت البحرية حينها بالمسؤولية وأطلقت برنامج إصلاح جاهزية القوات السطحية—ليعود السؤال نفسه بعد ثماني سنوات مع تشابه «الأربعة الجدد» و«الأربعة القدامى».
هرمية صارمة واعتماد مفرط على التكنولوجيا
يسجّل الكاتب، استناداً إلى خبرته، ملاحظات تنظيمية وسلوكية داخل البحرية الأمريكية: هرمية شديدة قد تؤخر معالجة المواقف الخطرة، تحفّظ مفرط لدى بعض الضباط يقلل الجرأة التشغيلية، واعتماد زائد على التكنولوجيا قد يُضعف “الحكمة البشرية”.
ويستشهد بحادث إسقاط Gettysburg مثالاً على ضغط الزناد اعتماداً على أنظمة معيبة، مذكّراً بسابقة تاريخية لإسقاط طائرة مدنية عام 1988 حين غابت الكوابح البشرية.
ثقافة الإرهاق .. حين تُستنزف السفن والقباطنة
تحت عنوان غير مباشر، يلفت التحليل إلى ثقافة «لا تراجع» وعبارات مثل «النوم للضعفاء»، مشيراً إلى أن الإصرار على أقصى جهد دائم يؤدي إلى إنهاك الطواقم والسفن.
ويقارن الكاتب بين نهج «الاندفاع ثم التراجع» الذي يتيح الاستدامة، ونهج الاستنزاف المستمر الذي تُظهر الحوادث بصمته بوضوح.
دروس للآخرين .. واختبار البحر الأحمر
في خاتمته، يخلص التحليل إلى دروس أوسع، مؤكداً أن حتى الأفضل عالمياً قد يرتكب أخطاء تحت الضغط. ومع أن الولايات المتحدة تظل—بحسب الكاتب—قوة بحرية قادرة على إنجاز مهام معقّدة، فإن اختبار البحر الأحمر كشف حدود الجاهزية البشرية والتنظيمية في بيئة عملياتية فرضتها معادلات جديدة.
وبين السطور، يبرز أن الضغط العملياتي الذي فرضته قوات حكومة صنعاء، وتعدد التهديدات في مسرح واحد، شكّلا عاملاً كاشفاً لسلسلة إخفاقات لم تكن لتظهر بهذه الكثافة في ظروف أقل تعقيداً—وهو ما يجعل «الوقت العصيب» الذي مرّت به ترومان دلالة تتجاوز حادثاً بعينه إلى صورة أوسع عن كلفة المواجهة في البحر الأحمر.



