ذا كريدل: الرياض خسرت جنوب اليمن وتبحث عن تعويض الخسارة بمواجهة أبوظبي خارج الميدان
مجلة أمريكية ترصد انتقال الصراع السعودي-الإماراتي من الجغرافيا اليمنية إلى “الساحات الخلفية” في الخليج والمنطقة

اليمن الجديد نيوز | تقارير وتحليلات
أكدت ذا كريدل الأمريكية أن السعودية، بعد خسارتها المعركة الميدانية في جنوب اليمن أمام الإمارات، باتت تلجأ إلى ما وصفته بـ«الساحات الخلفية» في الخليج والدول العربية، في محاولة لضرب النفوذ الإماراتي بوسائل سياسية وإقليمية، بعد تعذر قلب موازين القوة على الأرض.
التقرير يقدّم قراءة لمرحلة جديدة من التنافس داخل معسكر التحالف السابق، ويضع ما يجري في جنوب اليمن ضمن سياق أوسع من إعادة التموضع الإقليمي، حيث لم يعد الصراع محصوراً بالجبهات اليمنية، بل تمدد إلى شبكة التحالفات والاصطفافات في الخليج والمنطقة العربية.
خسارة ميدانية… وانتقال إلى المواجهة غير المباشرة
بحسب المجلة، فإن الرياض خسرت فعلياً المعركة في جنوب اليمن، في إشارة إلى فشلها في كبح تمدد القوى الموالية لأبوظبي عبر ذراعها المحلي، «المجلس الانتقالي».
ومع استحالة تغيير هذا الواقع ميدانياً، اختارت السعودية—وفق التقرير—فتح مسارات ضغط بديلة، عبر إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية واستثمار ملفات خارج اليمن لموازنة التفوق الإماراتي.
وتصف «ذا كريدل» هذا التحول بأنه انتقال من المواجهة المباشرة إلى الصراع تحت الحزام، حيث تُدار المعارك بعيداً عن خطوط التماس التقليدية، وبأدوات سياسية ودبلوماسية.
إعادة هندسة الخليج… ومحاولة عزل أبوظبي
وتكشف المجلة أن السعودية تسعى إلى إعادة تشكيل تحالفاتها الخليجية، على خلفية ما اعتبرته «انقلاباً إماراتياً» على التحالف مع الرياض في جنوب اليمن، عبر تمكين «المجلس الانتقالي» من فرض وقائع ميدانية مستقلة.
ونقلت عن مراقبين أن عقد قمة سعودية-قطرية شكّل رسالة سعودية هادئة لإعادة هندسة المشهد الخليجي، في محاولة لعزل الإمارات أو تقليص هامش حركتها الإقليمية.
إلا أن هؤلاء المراقبين أنفسهم يرون أن من المبكر الحديث عن قدرة الرياض على عزل أبوظبي، في ظل عدم التزام السعودية بثوابت واضحة ومستقرة في علاقاتها الخليجية.
مفارقة التقارب مع قطر… خدمة لأجندات أخرى
وتشير المجلة إلى مفارقة لافتة مفادها أن أي تقارب سعودي-قطري—even إن تحقق—لن يؤدي فعلياً إلى عزل الإمارات عن محيطها الخليجي، بل قد يصب في نهاية المطاف في خدمة الأجندة الأمريكية-الصهيونية في المنطقة، عبر إعادة تدوير التحالفات بما يضمن استمرار النفوذ الغربي والتحكم بإيقاع التوترات الإقليمية.
وبحسب هذا التوصيف، فإن الصراع الخليجي-الخليجي لا يخرج عن كونه جزءاً من مشهد أكبر تُدار خيوطه من خارج المنطقة، حيث تتقاطع الحسابات المحلية مع استراتيجيات دولية أوسع.
واشنطن تمسك بكل الخيوط
تحت هذا العنوان، تلفت «ذا كريدل» إلى أن واشنطن تلعب على جميع التناقضات، مستفيدة من تنافس حلفائها.
ففي مثال آخر، تشير المجلة إلى استضافة السعودية قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، في محاولة لمقايضة أي تقدم سعودي في السودان—ضد قوات «الدعم السريع» المدعومة إماراتياً—بموقف إماراتي أقل تشدداً في اليمن.
غير أن هذه المقايضة، بحسب التقرير، لم تؤتِ ثمارها، ما يعكس حدود القدرة السعودية على فرض شروطها خارج الساحة اليمنية، حتى عند استخدام أوراق إقليمية حساسة كالسودان.
دعم متناقض… ووهم الغطاء الأمريكي
وتبرز المجلة مفارقة إضافية تتمثل في أن واشنطن دعمت الموقف الإماراتي في جنوب اليمن، وفي الوقت ذاته تدعم الموقف السعودي في السودان، بينما توحي لكل من العاصمتين الخليجيتين بأنها تقف خلفهما بالكامل في مختلف الساحات.
هذا النهج، وفق التقرير، يخلق حالة من الوهم الاستراتيجي لدى الطرفين، ويُبقي التنافس مفتوحاً دون حسم، بما يضمن استمرار الحاجة إلى الدور الأمريكي كوسيط وراعٍ للتوازنات.
تقدم إماراتي وخيارات سعودية محدودة
وتخلص «ذا كريدل» إلى أن الرد السعودي الحذر على التحركات الإماراتية القوية في جنوب اليمن—عبر الميليشيات التي تدعمها أبوظبي—يعكس حقيقة أن الإمارات تقدمت على السعودية بعدة خطوات لم تكن في حسابات الرياض.
هذا التقدم لا يقتصر على البعد العسكري، بل يمتد إلى النفوذ السياسي وبناء الأدوات المحلية، ما يجعل استعادة زمام المبادرة مهمة بالغة الصعوبة بالنسبة للسعودية.
صراع أوسع… وجنوب اليمن عنوانه الأبرز
وتؤكد المجلة أن التنافس السعودي-الإماراتي ليس جديداً، بل يظهر في المشهدين الإقليمي والدولي بوصفه صراع نفوذ متصاعد، تصفه أحياناً الدوائر الغربية بأنه تنافس شخصي وسياسي بين قيادتي البلدين.
غير أن الخلاصة الأهم—كما تعكسها قراءة التقرير—هي أن جنوب اليمن بات ساحة كاشفة لهذا الصراع، وأن تشظي معسكر التحالف السابق يعمّق أزمته، في وقت تتابع فيه قوات حكومة صنعاء هذا التصدع باعتباره نتيجة طبيعية لتحالفات قائمة على المصالح المتناقضة.
وفي المحصلة، يكشف تقرير «ذا كريدل» أن معركة جنوب اليمن لم تُحسم فقط على الأرض، بل امتد أثرها إلى الإقليم بأكمله، حيث تحاول الرياض تعويض خسارتها الميدانية بتحركات سياسية خارجية، بينما تمضي أبوظبي في تثبيت مكاسبها، وسط إدارة أمريكية بارعة للتناقضات، وصراع مفتوح على النفوذ لا تبدو له نهاية قريبة.



