مركز أوروبي يقرّ بسيادة قوات حكومة صنعاء في البحر الأحمر
دراسة أوروبية تدعو لجعل 2026 عام المواجهة… بعد اعتراف ضمني بتفوّق صنعاء اللوجستي والعسكري

اليمن الجديد نيوز | تقارير وتحليلات
أقرت دراسة استراتيجية أوروبية بواقع جديد فرضته قوات حكومة صنعاء في البحر الأحمر، مؤكدة أن التطور اللوجستي والعسكري الذي أظهرته هذه القوات بات عاملاً حاسماً في معادلات الأمن البحري، إلى حد خلق مبرر مباشر—بحسب الرؤية الأوروبية—للدعوة إلى تعزيز التعاون البحري بين القوى الأوروبية والسعودية والدول المطلة على البحر الأحمر.
الدراسة، التي أعدّها مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية، تعكس قراءة غربية متقدمة لطبيعة التحول الجاري في أحد أهم الممرات البحرية العالمية، وتكشف في الوقت نفسه عن قلق أوروبي متزايد من فقدان القدرة على التأثير المباشر في مسرح باتت صنعاء تمسك بمفاتيحه الميدانية.
2026.. البحر الأحمر أولوية أوروبية
وكشفت الدراسة عن استعداد الاتحاد الأوروبي لإعطاء قضية البحر الأحمر أولوية قصوى في عام 2026، في إشارة واضحة إلى أن التطورات الراهنة تجاوزت مرحلة المتابعة إلى مرحلة التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى.
ودعت إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين الدول الأوروبية والدول المشاطئة للبحر الأحمر، مع التركيز على السعودية ومصر وبعض دول الخليج، باعتبارها أطرافاً ترى أوروبا أنها قادرة—نظرياً—على لعب دور موازن في مواجهة النفوذ المتنامي لقوات صنعاء في المنطقة.
الاستخبارات أولاً.. والأمن الرقمي وسلاسل الإمداد
وأكدت الدراسة أن تبادل المعلومات الاستخباراتية يجب أن يشكّل حجر الزاوية في أي تعاون أوروبي–إقليمي مقبل، مع التشديد على تحسين قنوات تبادل المعلومات بين دول الخليج ومصر والدول الأوروبية.
ولم تقتصر التوصيات على البعد العسكري التقليدي، بل شددت أيضاً على ضرورة إدراج الأمن الرقمي وحماية سلاسل الإمداد ضمن منظومة التنسيق، في اعتراف ضمني بأن التأثير الذي باتت تمارسه صنعاء لا يقتصر على البحر فحسب، بل يمتد إلى البنية الأوسع للتجارة العالمية.
دعم خفر السواحل.. رهان أوروبي محدود
وفي سياق البحث عن أدوات مواجهة، أوصت الدراسة—التي أعدّها ستة باحثين أوروبيين—بتعزيز التعاون بين دول الخليج والدول الأوروبية، بما يمنح البحر الأحمر أولوية في الحوار الإقليمي البحري، وترجمة ذلك عملياً عبر دعم قوات خفر السواحل الموالية للتحالف السعودي الإماراتي في اليمن.
غير أن هذا الطرح يعكس، في جوهره، إدراكاً أوروبياً بصعوبة المواجهة المباشرة، واللجوء بدلاً من ذلك إلى أدوات غير مباشرة، في محاولة لإعادة التوازن في ساحة باتت تميل بوضوح لصالح صنعاء.
اعتراف ضمني بالسيطرة النارية لصنعاء
ورغم الدعوات الأوروبية المتكررة إلى ضرورة الحد من قدرات “الحوثيين” في البحر الأحمر، تقرّ الدراسة نفسها بأن هذه الطروحات تبقى في إطار النظريات السياسية، في ظل عجز أمريكي وإقليمي واضح عن تغيير الوقائع على الأرض.
وتشير الدراسة إلى أن القدرات العسكرية واللوجستية التي راكمتها صنعاء منحتها سيطرة نارية فعّالة على امتداد مياهها الإقليمية قبالة مضيق باب المندب، أحد أكثر الممرات البحرية الاستراتيجية حساسية في العالم، وهو ما يجعل أي تحرك مضاد محفوفاً بتكاليف ومخاطر عالية.
القلق الأوروبي.. وواقع لا يمكن تجاهله
تعكس هذه الدراسة انتقال الخطاب الأوروبي من مرحلة التقليل من شأن ما يجري في البحر الأحمر، إلى مرحلة الاعتراف الضمني بسيادة الأمر الواقع التي فرضتها قوات حكومة صنعاء.
فالدعوة لجعل 2026 عام المواجهة لا تنبع من فائض قوة، بقدر ما تنطلق من إدراك متأخر بأن ميزان الردع تغيّر، وأن البحر الأحمر لم يعد ساحة مفتوحة لإملاءات الخارج.
وفي المحصلة، يظهر أن المراكز الأوروبية، رغم اختلاف لغتها السياسية، باتت تتعامل مع حقيقة واحدة: صنعاء أصبحت رقماً صعباً في أمن البحر الأحمر، وأي مقاربة مستقبلية—مهما حملت من خطط وتحالفات—لن تنجح ما لم تأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار.



