الاخبار الرئيسيةتقارير وتحليلات

وسط اتهامات بتضخيم المخاطر.. ميرسك تعبر باب المندب وتُبقي العودة معلّقة

عبور أول لسفينة دنماركية عبر البحر الأحمر يفضح رواية “الخطر اليمني” ويكشف أرباح شركات الشحن القياسية

اليمن الجديد نيوز | تقارير وتحليلات

في تطور يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية بالغة الدلالة، أعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة ميرسك (Maersk) نجاح أول عملية عبور لإحدى سفنها عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، بعد فترة طويلة من التوقف والتحويل عبر المسارات البديلة.

العبور الذي نفذته السفينة “ميرسك سيباروك” خلال الفترة بين 18 و19 ديسمبر 2025 مثّل، وفق مراقبين، اختباراً عملياً للروايات المتداولة حول “خطورة” الملاحة في البحر الأحمر، وفتح في الوقت نفسه باب التساؤلات حول دوافع استمرار شركات الشحن في تأخير العودة الكاملة.

عبور ناجح.. وحذر معلن يثير الشكوك

أكدت ميرسك في بيان رسمي على موقعها أنها طبقت أعلى معايير السلامة لضمان أمن الطاقم والشحنة أثناء عبور السفينة عبر باب المندب.

ورغم النجاح الميداني الواضح، شددت الشركة على أنها لا تزال تتعامل بـ“حذر” مع استئناف الرحلات المنتظمة عبر البحر الأحمر، وهو موقف اعتبره محللون بحريون غير متناسب مع الوقائع الميدانية الجديدة.

هذا التناقض بين العبور الناجح والتردد في العودة الشاملة دفع منظمات بحرية دولية وخبراء مستقلين إلى وضع سياسات شركات الشحن تحت مجهر النقد، خصوصاً في ظل ما تصفه تلك الجهات بـ“الاستفادة المفرطة” من الأزمة.

“بيمكو”: المخاطر تُضخّم.. والعودة أقرب من أي وقت

في هذا السياق، كشف تقرير حديث صادر عن منظمة بيمكو (BIMCO)، وهي أكبر منظمة بحرية دولية ومقرها كوبنهاغن، عن وجه آخر للأزمة.

إذ اتهمت المنظمة كبار مالكي شركات الشحن العالمية بتعمد تضخيم مخاطر الملاحة في البحر الأحمر لتحقيق مكاسب مالية مباشرة.

وأوضح تحليل نشره موقع TradeWinds المتخصص في الشؤون البحرية، أن الشركات الكبرى تنفخ في “بالونة المخاطر” لتبرير فرض رسوم أعلى، رغم أن عودة السفن باتت أقرب من أي وقت مضى، لا سيما في ظل التزام قوات صنعاء بوقف العمليات المتزامن مع اتفاق غزة.

أرباح قياسية خلف ستار “التهديد اليمني”

بدوره، أشار موقع gCaptain إلى أن قطاع الشحن حقق أرباحاً غير مسبوقة مع نهاية العام الجاري.

وبحسب الموقع، قفزت الأرباح اليومية لناقلات النفط بنسبة 467%، في حين ارتفعت تكاليف شحن الغاز الطبيعي المسال إلى أكثر من أربعة أضعاف.

وفي هذا السياق، كانت ميرسك قد فرضت بالفعل رسوماً إضافية على خدماتها البحرية خلال يوليو الماضي، مستفيدة من تحويل السفن إلى مسار رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر كلفة.

ING: تأجيل العودة لحماية المكاسب

وصف ريكو لومان، كبير الاقتصاديين في مجموعة ING الهولندية، ما يجري بأنه محاولة متعمدة لتأجيل العودة السريعة إلى المسار الأقصر عبر البحر الأحمر، بهدف حماية الأرباح الاستثنائية التي حققتها شركات الشحن خلال الأشهر الماضية.

وتتقاطع هذه الرؤية مع تقارير صادرة عن Marine Insight ومنصة ربّان السفينة، والتي أكدت أن الاستئناف الكامل للملاحة سيؤدي فوراً إلى انخفاض حاد في الأسعار وتحرير السعة المفقودة، وهو سيناريو لا يخدم مصالح “هوامير الشحن” في الوقت الراهن.

السفن تمر بأمان.. والاستثناء مرتبط بالاحتلال

وكشفت دراسة بيمكو أن السفن التابعة لروسيا والصين ومعظم دول العالم تمر عبر البحر الأحمر بسلاسة وأمان، ما يدحض سردية “الخطر الشامل” على الملاحة الدولية.

وأوضحت المنظمة أن التحديات—قبل وقف العمليات—كانت تتركز بشكل شبه حصري على السفن والناقلات المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي، أو تلك التي تصر على التعامل مع موانئ فلسطين المحتلة رغم التحذيرات المتكررة المرتبطة بجرائم الإبادة في غزة.

وبحسب بيمكو، فإن أي نكث لاتفاق غزة قد يضع هذه الناقلات “الجشعة” في مأزق مضاعف، خصوصاً مع تراجع الطلب المتوقع على ناقلات النفط الخام فور استقرار الممر الملاحي.

مسار رأس الرجاء الصالح.. أرباح لا تريد الشركات خسارتها

تشير تقديرات المنظمة إلى أن استقرار الملاحة في باب المندب سيُوجّه ضربة قوية لقطاع ناقلات النفط الخام، عبر خفض الطلب والأسعار، وهو ما يفسر—وفق محللين—إصرار بعض الشركات على تعطيل العودة للحفاظ على هوامش الربح المرتفعة التي يوفرها المسار الطويل حول إفريقيا.

كسر الجمود: CMA CGM تعلن العودة عبر السويس

في المقابل، بدأت ملامح كسر هذا “الجمود المفتعل” تظهر من الجانب الفرنسي.

فقد أعلنت شركة CMA CGM إعادة تفعيل خط “إنداميكس” الاستراتيجي، الذي يربط الهند وباكستان بالولايات المتحدة عبر قناة السويس والبحر الأحمر، ابتداءً من يناير المقبل.

واعتبرت منصة Xeneta الاستخباراتية المتخصصة في الشحن أن هذه الخطوة تمثل “علامة واضحة” على اقتراب العودة الكاملة لسفن الحاويات إلى باب المندب، مع توفير يصل إلى أسبوعين من زمن الرحلة مقارنة بالمسارات البديلة.

المخاطر سياسية.. والأرباح هي الدافع

بين عبور “ميرسك سيباروك” الناجح، وتحليلات بيمكو وgCaptain وING، يتشكل إجماع إعلامي وتحليلي على أن أزمة الشحن الحالية ليست سوى حالة سعة اصطناعية مفقودة وأسعار منفوخة.

وتشير المعطيات إلى أن تأخير العودة لا يرتبط بمخاطر حقيقية بقدر ما يرتبط بمحاولة استنزاف أقصى قدر ممكن من الأرباح قبل أن تفرض العودة الطبيعية للملاحة واقعاً تنافسياً يعيد الأسعار إلى مستوياتها السابقة.

وفي هذا السياق، يبرز البحر الأحمر—كما تعكس الوقائع—كممر آمن لمن لا يصرّ على خلط التجارة بالسياسة، فيما باتت قوات حكومة صنعاء رقماً حاسماً في فرض معادلات جديدة للملاحة، كشفت سريعاً هشاشة الخطاب الذي طالما استُخدم لتبرير أرباح غير مسبوقة تحت لافتة “التهديد اليمني”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى