حين يلعب احمد الشرع كرة السلة

اليمن الجديد نيوز| مقالات| *لينا الطبال
من قال إن الحرب انتهت؟ إنها فقط بدّلت زيها العسكري …
أحمد الشرع، رجل المرحلة، قائد ما بعد الأنقاض، شوهد يبتسم ثم يبتسم وهو يرمي كرة برتقالية في سلة أميركية… هل رأيت؟ قائد القيادة الاميركية الوسطى يصفّق له … أي مشهد أعمق من هذا؟
سوريا التي كانت تُلقن الإمبراطوريات معنى الكبرياء… تكتشف لذة جديدة عبر اسقاط كبرياء الامة بكرة برتقالية.
يلعب الشرع، يضحك، يلتقط الصور، يتصبب عرقا من فرط الجهد في مباراة ودّية. يوقع اتفاقيات لا تتضمن اي بند حول التقدم او الغارات الإسرائيلية وتوغلات العدو التي تتوالى بلا ردّ… الاهم من كل ذلك ان الشرع قد تجاوز خصمه الأميركي برمية ثلاثية. هو بطل في ملعب قائم على ارضية وطن محروق… يا له من إنجاز تاريخي!
الإعلام الرسمي وجد في هذه المبارات رسالة سلام… سلام بارد كوجه احمد الشرع الذي يزداد برودة كلما سجّلت إسرائيل هدفا في مرمى دمشق.
إسرائيل تقف عند تخوم دمشق، تلتقط الإحداثيات، وتعّد ملعبا جديدا للعبة أخرى… احمد الشرع يركض بين التحركات والسياسات، يحاول الانسجام مع قواعد اللعبة، يلتقط الصفقات التي يرميها له ترامب… وحدها إسرائيل تسجّل النقاط واحدة تلو الأخرى. … تقولون انها مبارات غير متكافئة … لكن من يهتم لكم؟؟
في اللحظة نفسها، وبينما يبدو لك احمد الشرع انه يشارك في اللعبة على الأرض، يحلق فوق الواقع.
هل رأيت يوماً رجلاً يتحدث من طبقة الأوزون؟ هكذا بدا أحمد الشرع، أو هكذا أراد أن يبدو، في لحظة من الخشوع المصطنع، وهو يتلو آية قرآنية في مؤتمر المناخ بالبرازيل (COP30) بدا لاهوتيا بامتياز… يوهمنا انه يستطيع انقاذ سوريا والكوكب معا ببركة تلاوته، لكن تلاوة آية واحدة لا يمكنها إعادة ترميم ما دمرته اللعبة التي لا يزال يلعبها بحماسة …
وهنا يبرز سؤال اكبر، سؤال لا يقل سخرية عن المشهد نفسه:
هل بإمكانه الجمع بين الأنثروبولوجيا والميتافيزيقا؟
هل يستطيع أحمد الشرع أن يمحو واقعه المادي بالوعظ السماوي؟
كل الدماء لا يمكن غسلها بصورة رجل يرفع يديه بالإيمان وينشرها على منصة «إكس».
دعونا من كل هذا النقاش الآن ولننتقل الى فقرة أكثر مرحاً، الى شطب اسم احمد الشرع من قائمة الإرهاب.
سيلتقي ترامب والشرع في واشنطن… لقاء بين وهمين يختزل مأزق النظام الدولي المعاصر: التحالف بين الهيمنة و والخضوع… سيجلسان وجها لوجه… لن يتحدثا كثيرا… سيتبادلان الصمت والصور فقط.
سيبتسمان في الصورة التي توثّق اللاشيء… الشرع سيبتسم كما يبتسم موظف في اجتماع ممل، وترامب سيصدر الأوامر كرئيس مجلس الإدارة…. يا لهم من ممثلين اغبياء!
سيعود الشرع من واشنطن ومعه وعود اعادة الاعمار، وعود من الديون يسمونها خطة إنقاذ، او تعاونا دوليا… لا يهم التسمية. المهم ان اقتصاديو البنك الدولي سيصدرون تقريرهم الجديد عن “النمو المحتمل في سوريا”، وسيختمونه بجملة:
” الاقتصاد السوري يتعافى بشكل مطرد” .
سيصرحون ان إعادة الإعمار تحتاج 216 مليار دولار … سوف يبتسمون، نفس الابتسامة الباردة التي يبتسم بها أحمد الشرع،
216 مليار دولار لإعادة الإعمار… نفس الجملة التي تكررت في العراق، أفغانستان، والآن تُعاد بتقنية “النسخ واللصق” على جثة جديدة اسمها سوريا.
بعد عقود من الدم والرماد، يريدوننا أن نصدق أن كل شيء يُغتفر، وأن الأرقام تستطيع احتواء الألم والخراب، وأن 216 مليار دولار قادرة على إعادة الحياة إلى وطن محطم… لا، يا سادة الجداول الاقتصادية غير قادرة على إصلاح التاريخ.
في النهاية، ستبقى صورة اللاشئ التي تجمع ترامب والشرع على منصة “اكس”، وتحتها تعليق صغير:
“سوريا تدخل المجتمع الدولي من الباب الأمامي”…
قال أحد المعلقين إن المشهد بداية لعصر جديد من التعاون. صحيح “تحوّل مذهل!”
هنيئاً لنا بالمرحلة الجديدة…
مرحلة يجري اختتامها بالنشيد الوطني… الأميركي الإسرائيلي طبعاً.
باحثة واكاديمية – باريس


